اتفاق الطيور للذهاب نحو السيمورغ.*

لو كان هاجسًا ما رأيت سواه ولكنه حالٌ حالَ مع تحوّل الحول. الذنب حملٌ تعلّمتُ طرحه من طائري الذهبي، بالصفة والعمل، لو كان لي يدٌ في الرؤيا ما رأيت، ولو كان تأويلها يغني لأوّلت وولولت:

مرحبًا أيها الطير الذهبي ادخلْ بلطف
انهمكْ في العمل، وادخل كالنار مسرعًا
واحرق من الحرارة كلّ ما ياتي أمامك
وأطبق عين الروح إطباقًا تامًّا عن الخلق
فإذا صرتَ في أمر الحقّ طيرًا كاملًا
فلن تبقى أنت، وسيبقى الحقّ، والسلامْ.*

كان الطائر الغريب بقوائمه الخضراء ملقى على الكرسى ذو القوائم الحديدية فوق مسندة حمراء في وسط الغرفة المهجورة أول مدخل القصر ولم يبد هذا الطير أي اهتمام بقدومهم ولا خوفًا من وقوفهم أمامه، اقترب منه أوسطهم بحذر أثار حفيظة من معه:

لمَ يبدو عليك الإجلال لطائر لا يكاد يقوى على الحراك، لسنا هنا من أجله بل من أجل ما في القصر.

قال: هي أنثى وليست مجرد طائر، ألا تحس بخفقانها يسابق خطواتنا إيقاعًا؟ وأنثى الطير هذه ككل إناث الطيور تختار من يقترب منها كائنًا من كان وشرط الاقتراب أن تكون مليحًا ومصداق ملاحتك أن تقول مليحة فإن أعجبتها سمحت لك بلمسها وإن لم تعجبها هاجمتك فإما أن تموت أو تموت.

وكأنّه أُخذ بحادثة قديمة أو رؤيا رآها حين ابتدرهم غائبًا عمّن حوله: نحن هنا من أجل المال وحيثما وُجد الطير في مكان ما وجدت القدرة والحكمة والمال ووجودها علامة على هذا، يبدو أنكم لم تسمعوا بمفارقة خوف السمّان و الثراء الفاحش، صمتٌ في الغرفة المهجورة حتى الأنثى اعتدل خفقانها حين أحست بهدوئهم، فاستطرد:

أيها القُمْري الذي قد جاء محبًّا وموافقًا
والذي قد ذهب مسرورًا وعاد ضجْرًا
إنّك ضجر من أنّك قد بقيت في الدماء
وبقيت في مضيق حبس ذي النون

الأسطورة تقول أنّ “خفقان السمّان علامة على وجود الأثرياء” ، حين يكون الخوف مُعدٍ تلتهب قوانص السمّان من شدّة الخفق فلا تستطيع مغادرة المكان، فهي آتية تبحث عن الأرز من حاجة، عالقة في حقل الوجيه حيث الصيد للترف، فيعديها هذا الترف، فتضع بيضها دون حمل، وتضع أحمالها دون أمن، فتموت قبل أن تموت، يغريها ترف خوفها، تعيش بين الترف والحاجة ترفرف وتحوم في دوامة تنتهي غالبًا بموتها، حين يرعبها صهير الحديد فتعرف أنها مشتهاة، فتشتهي.

مرحبًا أيتها الفاخنة، اشرعي في التغريد
حتى تنشر الجوهرَ عليك السماوات السبع
ولأنّ طوق الوفاء في رقبتك
تُشينك الخيـانة.*

لم يحرك الطير ساكنًا لم يفهم من القصة سوى أنهم أتوا من أجل المال فمال عنهم وغط في نوم عميق، أو ربما موت.

مرحبًا ياعندليبَ بستان العشق
طرّب بلطف من ألم العشق وجواه
نُحْ بلطف من ألم القلب نواحَ داوود
حتى يفدوك في كل لحظة بمئة روح.*

ينبغي للعشق رجلٌ كاملٌ مجرّب
ينبغي للعشق أناس أحرار
ولست أنت بكاملٍ مجرّب، ولا عاشق
إنك ميّت؛ فكيف تليق بالعشق؟
ينبغي في هذا الطريق مئة ألف رجل نيّر الضمير
حتى يضحّي في كل لحظة بمئة روح.*

*منطق الطير

إذا كنت حاسبت البستاني، إيه ذنب الورد؟

قد تكون أقرب حتى أكاد لا أراك وتصيب عيني سبخة المرض
وقد تكون بعيدًا وتتراءى تفاصيلك بعيدًا عن الخطأ والصواب
على مرأى الخيال دون قصة أو سياق بشعور الشيء وضدّه معًا
بإلهام الأسماء الأجلّ وبجهود الشيوخ الأٌوَل:
أتراءى فأرى مرجًا أخضرَ سبحتُ فيه أمامه، كانوا صِبَاحًا متحلقين متخلقين بأسمالٍ بيض كأنهم البراءة
وأمارتهم أن يشجيهم الطرب ويطربهم هبّ النسيم
وكانت مرخيةً غرّتها كالشمس، لؤلؤتي تخرج عن الصدف.

الدمعة إذا وافتها الدمعة أيهما كانت مواسية ؟ وعلى هذا.
كان على أحدنا أن يرقص وصاحبه يصفّق، واخترتُ الإيقاع لمراسٍ طويل
على أنّ الرقص كان يخيفك مآخذه، إنّ التحرر صبر ساعة على اللسعة
التي تصبح وحمةً أو خالة، والعلامة مؤنس، وإشارة تعبر بك إلى الضفّة
لاتكون مؤبدة في الذاكرة إلا إذا كان قبلها عقبة. من هنا أشتري الألم دائمًا
وابتاع النقيض الممقوت ستارًا على السرّ المبخوت

إنني وباختياري السكوت أو الكلام – أغيب عن الأنام – إلّا أنّ حمرة الخد تعلوني عند الكلام
ظاهرٌ وجهي وصبحته قديمة إلّا أنّي لا أشتري مايجتني مادمت مفارقه؛ وتلك كانت حسرتي الأولى
ووقوفًا عند الحديث عن الذات المجروحة؛ وقوفًا على حقّ الواجب على الممكن، وتذكيرًا بأنّي ولدتُ لأكون كلمة ومالبثت
أسرّي عن الجوع بالتواضع، وعن الرغبة بالكبرياء، ومن أجل الكلمة أشتري في وجودي الفناء.

أراك تتباعد كالشمس وأحب الستر والسهر
وأراك تتكامل ثم تتناقص كالقمر وأحبّ التلفت والصبر
وأراك تتقلب كالفصول وأحبّ البرد والحرّ/ والصحو والمطر
وأراك تشبه الحياة وأنا أحبّ، أحاذر، أخايل، أغترّ، أرمز، أسحر، أمتلئ براءة وقهر وحفيظة تُثار عندما تغضب.

أتعمّد أشياءً لا أقوى عليها لأعلم أنّه ظنٌ فقط، أننّي لا أقوى عليها،
تتغمدني رحمة الوجود فأكون كما أكون

أوراق الوردة بتتكلم: كتروا من الحب تلاقوا الحبيب بيجي بوقته ويقسم أنه شاري والله شاري.

الكلام الذي سأقوله لزجاجة قلبي

استراح المقام، وجاوزت العين أغيارها إلى سؤددٍ لا يُرام. كنتُ واحدًا، فأصبحت قلبًا ولربما اعتاز القلب حاجاتٍ عظام. وحين اتسع؛ خبّأتُ النشيج إلا زفراتٍ ليس لي على كبتها عظام. وتمرغت في الوحل، ودخلت أحراش الخطيئة، ورافقني الشكّ، وأحرقتني الغيرة، ولم يمنعني المقامُ من التأمّل في حال المحبّين فما وجدتهم على حالٍ واحدة، فكما أنّ الله واحد وهذا خلقه، وكما أنّ الماء واحد وثماره المجتناة مشتبهة ومتشابهة؛ فكذلك القلب وقرعه يحسه المحبّ ذاته في كل قلب وآثاره متباينة، ولقد كنت في صباي قد أدمنت القياس والرصد وأخذني غرور الشباب إلى مقاربة الأحوال، لكنّ العمر مفصح والأيام مبينة، وقد حيّرتني.

أين خطفة العين من خطفة القلب، في بارق العين سرقك هذا الطيف، ولو أبحرتَ أبحرتَ في الطيوف ما أوصلتْك، وكنت قد ركضت حينها جلّ عمري وماوصلت، أركض أتبع قلبي أو يتبعني، وربما أبعدته عني لوخزه فأبعدني، وباعدني. دون ذكر محاولات الغوايات سرقة قلبٍ غضٍّ أعزلَ، ودون ذكر المنايا وتغريبها وغرباتها وغرائبها ورغائبها ورغبها، ودون ذكر العيون التي تحبها تطفح بكل مالا تحبه، فتعلم حينها كيف تُصاب القلوب وكيف تُصوّب.

طفلٌ يلعب يراقبه أبواه وحين يعلم بمراقبتهما لا يتعب، مالذي يسحر الأطفال باللعب سوى غياب الجزاء، مالذي يغريهم تحديدًا بلعبة الاختباء، سوى أنّها سوف تنتهي هذه اللعبة حتمًا بإيجادهم.

صفّحت قلبًا عن الصدأ بالآلام، كلّما لهى أدمته عثرة ودمعت عينه توبةً ووجدًا، وخوف الحكيم من مكر الحليم حين يغضب، يبتلي بذنبٍ يُظنّ ألّا جزاء عليه فيخطئ، وللعزم مدى وللخطايا تقية وللذنوب تطهير، وحبيبي مسافرٌ في عالم الجمال أرقبه على طول المدى، يرقص رقصته الجميلة ويحمّلني أطواق الحسابات والظنون وردة وردة.

-ألا تغضب ؟
-لا أغضب حتى أترجم الخيبة إلى معنى، لكني أختار دائمًا رؤيتها تتبختر أمامي دون اسم ودون رمز وبهيئة معتمة تختفي في الحلم ويبعثرها خوفي وقديم صبري وتجلدي، لكني أغضب من محاولة إغضابي، وتلك حال أخرى.

أحسبُ أنني لا أستطيع إشاعة شيء للناس بنفس القدر الذي لا أستطيع به إخفاء شيء عنك، خوفي الغريزي والتلقائي الأول الأقدم المقنّع الواضح المعجم الفاضح والذي تعرفينه بطبيعته قبل الصياغة، يرى ويبكي وتبكينه حين يبكي، ويبكيك، ويسمعك ولا يعرف كيف يفعل بسهولة الوصول أو بالاستجوابات الفجّة لأناس يملّون وحين يملّون يظلمون، وأعرف كيف يراني من يكرهني، بنفس القدر الذي أعرف به أنه مامن فعل سأفعله إلا وستزيد به كراهيته، فأضحك على غشاوة العين سوى عن رغبتها، فإن كانت مسافة الظلم حديث لما تكلمت، وإن كانت نظرة لعشِيت، وإن كانت لقاء لتواريت، وإن كانت صمتًا صرخت، هكذا أرى أو هكذا أُريت.

هزمتُ الخيال نعم، هزمته عن رغبته في امتلاكي، لكني لم أقتله بل خدرته، ويغلبني قلبي، قلبي القليب، الكامن داخل قلبك في زجاجة.

أنيابٌ خديجة لحقد قديم و منحازٌ إلى رئة

اللسان بكل أحواله لا يعدو كونه أداة الهرب من الكلمات الأليمة، لم أتبرأ أبدًا من ذنوبي لكنّي أتبرأ عمّا سواها، حيث ينسى الآدمي في سنحة أن يعرف حدود ذاته


كما خلق الله البسيطة
كي تنثر أزلام أجدادك
مقتسمًا علكة نبتت
من صرير السنّ بالسنّ



عيدٌ يتمخض في الخفاء
أنْ خلقني الله لسانًا
لكل هؤلاء الغرباء


ظالمون
يمرون عبر الأصول
واقفون على بابك
كلّ يظنك منشفته
تركوا ملامحهم وبادوا


ظالمون من صلبك
أورثتهم ذنبك
ظالمين بالعدالات الخمس
وحّدوا فراغ النفس
صوّروا أقدامهم
صيّروا حرابهم مرآة
لنكش النفس

قد كنت قصدت الراحة
حين قضمت أظفار الأمس
باحثًا عن أنيابٍ خديجة
وأنا ناب قديم
بين جدّ وجدّ

وأنا سهم وقوس
بين ضيف ثقيل
وخلّ قتيل
ونار وليل

وأنا حارس الأمس
يتيهون فأرشدهم
إلى ليلتي اليتيمة
خلف أستار البهيم

لأخبرهم بأنّ الخالق قديم
وأنه سفر وحضر
غرق وتشهيق
نحيب وسلا
قلٌّ وقِلى

يومًا ما ستهدأ الزوابع
وخلف كل باب
سيأخذك جواب
إلى عمرٍ ما

يومًا ما ستعرف
كيف يحلّ الماء الماء ليصفو
فيصفو
وكيف يحلّ المرء حرامه
فيعفو

ليفسّر ماسقط من أسنانه
كهروب أيامه وأحلامه
وكما نهش المارون الثقال
من خرّوب براءاته

فإن هي ضاقت عليك
فعظّمها مسافة
وابسطها حسافة
لتجديني ذات الشخص
بألف قناع
وتوقيع واحد

.. هيلن هدية الخالق لي منذ عرفتها وهي تهرب ..

من المتراكم إلى المستوي
ومن الواضح إلى المنزوي
ومن الانشراح إلى الضيق
ومن الشعب إلى الشِعاب
ومن الرئة إلى القلب

ومن التكسر إلى الضمّ
ومن اليباس إلى الورق
ومن اليرق إلى الاحتراق
ومن الفجيعة إليها
ومن الفضيحة عليها

من الأنوثة إلى اللغة
ومن اللغة إلى الثورة
ومن الثورة إلى الشكّ
ومن الشكّ إلى الشكّ
ومن الشكّ إلى الشكّ

دوائر وبتلات
من بعد بتلات
بللتني وابتلّت
وابتلتني وابتُليت
وأدور معها في الصف
وأدور معها في الغيب
وفي التنزيه وفي التشبيه
وفي الحشمة وفي العيب

وندور ندور
ولطالما كنت أدور لوحدي
وندور ندور
كما قد ألفت أن أدور وحدي
وندور ندور
كما أشركها الله في نردي
وندور ندور
فلم أعد بعدها أعدّ النرد
وطالت خطوتي التالية



الرقّة المنشودة من الرِقّ
والرِقّ المبلل بالدمع خالد
الديم المتزاحم على حدق
دليلٌ على الحياة صادقْ

إليه الذي يأتيني مترنّحًا كقطعة شوكولاه ذائبة

سكتٌة طويلة
هذا الصوت يحجزني عنّي
هذا الذنب يحرقني
هذه العقد الطويلة من الملامات التي تسكن معاضدي
طفلٌ أتيت وطفلٌ سأغادر
فعلامَ نسلّم الأدب كما لو كنّا نسلّم صكوك الغفران

سكونٌ عميق
مازلت أستمع إلى صوت اهتزاز نبضي بإيقاعه الهادئ
هذا الصوت يثير دمعي
حنينٌ إلى السكينة التي يقننونها كحقّ عليك أن تعمل لتستحقه
الآخرون دائمًا هم الآخرون
يقدّمون الودّ في يد والمدية في الثانية

سرابٌ بعيد
خيالاتي التي حملتها معي طويلًا
كلّ أحبابي، كلّ غيّابي، كلّ مواعيدي
فقد علمتني الحياة أنّ التوقيت كذبة
نتواطئ على تمريرها
والحرية فسحة أقصر من أن تهبها لأحدهم دون قصد

جوعٌ شديد
صراخٌ من الداخل، تدريبٌ على إغمات الشهوة
الشهية إلى الألم، السفر إلى المعنى، الصبر على الرتابة
المحاولات المتتابعة لإتقان أمرٍ ما
الاستنتاجات الصغيرة بعد كل محاولة فاشلة
هذه الثمرات النادرة التي لا تُعصر لتقدم في كأسٍ باردة.
مع السكّر والثلج

غرابةٌ قاتمة
أنْ كيف يصل الناس إلى الحقائق الكبرى في أوقات مختلفة
بناءً على شدّة هرولتهم وسعيهم
وهذه الركاكة في السرد
أحسب أنها تلكؤ ، انتظارٌ على الرصيف
من أجل حبيب يتذمّر من تأخيري
فيما أنا سارحٌ أتأمل ثغره الذي أريد قطفه

بردٌ قارص
من احتجاب الربيع عن الظهور
ونشوة داخلية وأنا أسرق تصاويرك
بينما أنت تسرقين قلبي وتطوّعين أيامي
فكم كنت كبيرًا، وكم كنت صغيرا
وكم كنت غنيًا، وكم كنت فقيرا
وكم نهلًا أوردتني، وكم مفازة جاوزتني

عامٌ جديد
لكل الفتيات اللاتي يقرأن
كلمات الحبّ ويسهرن هيامًا في خيالاتهن
عنه الذي لا يأتي، وعنها التي تنتظر
اطلبن واستعرن وناولن الحلوى
وقدمن المكر والحيلة، لا حسن النية
فإنهم ينتظرون نداء الحياة على طبقٍ من لهف
فقد عدمت الدنيا، إذا عدم العشّـاق

انغمس فانغمر فوالى ثم توالى

يرفع يده عالمًا بأنّ ماوراء الوراء وراء،
 وفوق الفوق فوق، 
وداخل روح الروح روح،
 وأنّ النواحي باطلة وأنّ الناحية واحدة؛ لكنه مازال يرفع يده، 
كما أنْ يصانع عقله الذي كبر عليه جدًّا وبدأ يثقله، 
مغاضبًا يحمّله مما لا يطيقه. 

أيْ صاحبي لمَ تكتفي السعادة بدمعة واحدة ولا يشبع الحزن من ملايين المواويل والدموع والشهقات والنحيب؟.

أجمعَ على أن يهاجر ذلك المكان الذي لا يعرف الولاء، وقد كانت فكرته عن الولاء منذ الصغر شيءٌ بلا كَفاء ولا حدّ، كلّما تقادم تجدد، ولو جمعوا كل هذا المال والهواء لن يستطيعوا أن يتخلصوا من قيد الزمن، قيد السنين؛ لكنّها ذات الهجرة التي ظنّ أنّ فيها الخلاص كفرٌ بالأرض التي رعته وآنسته وحفظت له مواطئ أقدامه. 

هو ذات الوفاء لناحية خيانةٌ لأخرى، والصدق إلى أمد لا يشبه الصدق في شيء.
 والكتمان ليس يعني اليأس،وليس بالضرورة صبر؛ 
إنّما هو ذلك العقل الذي كبر وذلك الجسد الذي يشي،
 وهذه اليد التي تشهد، واللسان الذي قال كل الوبال، 
وكلّ مالمس تلك النفخة قد نال من منهلها وأسمالها، 
ومن يلمس يُمسّ.

وعى على هذه الحقيقة المخيفة، عن عبثية القوالب، وسحر المناظر:
 أنه بذاته الحقيقية كما هو اسمه، سحرٌ. سحرٌ. سحرٌ. وسرّ. من انتزع من هذه النفس هذا الستر. 
حرّك خطرته وطارت بعيدًا فكرته، كما طار بعيدًا طيب الخاطر.

صديقي كل ماهو ثمين لا يُقدّر بثمن. 
اشتر حرصك بنفسك قبل أن يشتريها غيرك.
 واشتر كلّ مايُشترى منك، فلحظة الغفلة قادمة
. بطّن الجدار بعد الجدار،
 بالأحراش والشجر، والخوف والحذر، والخدعة بعد الخدعة، 
حتى يدركك الانتباه قبل أن يدركوك.

ثم افتح نافذتك بعد هذا كلّه إلى ذاك الذي لا تنفع معه كل الجدر والأسورة والمحابس والبيبان، فهو الغطاء والستر، وله الولاية دون سواه، حارس الحقيقة عن نفسه التي أصل إليها قبله فأتباطأ كرمًا واحترامًا ومنّة.

صلاة الخطر

أعظم مرادات العشاق هو خزن الأسرار وأنّ ذلك من فعل الأحرار. *

:A mirror to be rightly-adjusted
you cannot kill somebody you love
they alone can
.and only in your eyes

أعدد أعيادًا كثيرة لم أرك فيها ولا مرة رغم أنك تنضحين وتنضجين في فؤادي بكل هذه الكثرة ، ولا أدري أهذا جزاء العشرة أم أقدار ربّ الحمرة والخضرة، ولا يهم ما إذا كان التفسير صائبًا فمنذ أزمنة كفرت بالعقل خارج أحوال تدبير العيش والبقاء، لنرفع الأنخاب ونحتفل بهذا الفصل من الجنون متفرقين معًا، حقيقةً أو خيالًا، أجاجًا أو زلالًا، مجونًا أو حياءً، فيارب الأضداد والمثنيات، احكم بأمنك وأسعد بفسحك ورخائك، واجمع شتات شمل المحبين، فقد أمّنا وكبّرنا للخطر صلاة وأنت ربّ النجاة في كل مرة.

خذني بيدٍ رأت وجه الخوف وعينٍ لمست زرقة الوحشة وغطاءٍ على الوجنتين أحمر وسماع يحتار بين الرجز والمجاز وساعدٍ يهدي إلى الإيقاع وارقص على أحزانك الوثيرة ورأسك المتعب واجمع حكمة السنين من الفراق والمآسي، لأعرف كم أنت اليوم أجمل ومالذي تغيّر منذ نوڤمبر الماضي.

إنني كلّما فكرت عثرت ونفضت عني الحرص؛ لأتذكر تلك العثرة التي عثرتها ولم أنفض عني غبار الأرضية.

يلومني غزالي على سرحاني في عوالمي ولا يعلم أنه يلوح لي بين كل فكرة وفكرة وأنني أصطاده لأبتدر اليوم واصطاده لأقابل وجه الحياة بابتسامته واصطاده لأنعم بالتوازن واصطاده لأنهيه ولا ينتهي فيصطادني في أحلامي. وهكذا مراتع الغزلان في عيون العزلة والأمان.

الخوف فصلٌ تحتار عين الخريف في تسويغه فتهبّ صفراء تمرض العيون وتنشف الشفاه وتضرم الحمى في الخدود، فإن أقبل بهوائه فامرض قليلًا ثم استيقظ مرةً واحدة، كذاك يفعل الجميل حين يلمسك بيده الباردة، وعليك وعلى القلب ألّا يحترس إلا قليلا.

.

نيامٌ حتى يصعب على الأحزان أن تقتُل

أن يخلّف المرء عدوًا واحدًا جرّاء أفعاله الشنيعة فهو أمر مشين، لكن الأشنع منه أن يظنّ أنه لم يقم بحياته بعمل واحد يستحق العداوة عليه.

هم يقولون أنّك تعيش طويلًا بما فيه الكفاية لأن تتبدل كل خلاياك أكثر من مرة، إذًا كيف تُحفظ الذاكرة؟

هم يقولون أنّ المصائب لا تقتل عند حدوثها بل بعدد مرّات تذكر ما خلفته من أثر بنا، كم مرة نتخدر من الموت، وكم قلبًا يُبتلى لينضج في أحداقٍ لم تعد ترفّ فرحًا إلا وهي مطبقة على أجفانها خشية خديعة الأيام.

وعندما نصحو من الحلم السعيد كيف نعلم ما إذا كان الحلم من خيالاتنا أو نداءً من مستقبل يبشّرنا كما بُشّر يعقوب في مغبة أحزانه ولم تمهل البشارة قلبًا من شدة الكظم أعمى البصر.

الشاعرية تناديكم واحدًا واحدًا يا من ظننتم أنّ الهدوء الطويل يمنع من غدر الأيام، سوف تحكي لكم قصة الإنسان وكيف أنه لم يُخلق ليتحمل كلّ هذه الآلام.

أشرس الأنياب هي التي تأكل مفارق شفاهها، وأشطن العيون هي من ذاقت طعم دم صاحبها واعتادته.

في كلّ مرة تقاوم الندم يُبعث غراب ليدلك على دفن الخطيئة وفراشة تحترق أمامك ويافوات القلب الذي لا يعتبر.

منذ زمن لم أتطلع إلى أحد، منذ زمن لم أتواضع لأحد، منذ زمن وأنا أرتعش من الصدق في عالم خيالي يخاف من الدمعة اليتيمة.

كنت أشطر الجُمل لتحمل الوجهين والثلاثة كيما يسألني أحدهم عن المعنى، ألا كيف لا ترى كل المعاني التي لا جدوى من طرقها؟، وكيف لا تعرف أنّ التفسيرات كلها مؤقتة بزمن ومرهونة بفهم؟.

الفهم بلا حد، كما أنّ العلم بلا حد، فليست المشكلة بأنّ العلم قديم بل بإنه ذو طبيعة مغايرة، وليست مشكلة الفهم بأنّه معقّد بل بإنه متغيّر بك ومنك.

كيف يثير الشفقة كل متبعي البرق الخالب، عند من يتبعون نور القلب، وكيف أنّ الأحلام لا حدّ لكذبها، وإنّ واهب الحلم القداسة هو نفسه واهب الموت القداسة وكليهما واهمين، فالحلم والموت من عالمِ ماقبل اليقظة الأخيرة، فيهما من يلقي في الأماني ومن يخبب على المتأمّل ومن يخوّف الراغب ويحفّز الطالب.

أحتاج لغة واحدة لأقول معاني لا حصر لها، وعشر لغات لأصرخ وأغضب.

في الظل أرى جيدًا أنّ الشمس لا تضرّ إلا إذا تعرّضت لها كثيرًا وستعرف عندما تفعل، لكن وحده الظل ممتدًا وقصيرًا لا يُشعرك بشيء من الضرر فيما أنّه كله ضرر، وستعرف ذلك عندما تنتهي راحتك.

الراحة لو كانت طويلة تُسمّى موتًا.

والنيام -و إن طالت نومتهم- مستيقظون.

وسيعرفون كم شمسًا غابت وهم يرتبون أحزانهم خوفًا من جرحٍ جديد.






آخر ماكتبت: العنوان

قطعتي: قطّعني الشوق ووجدت شيئًا غريبًا. وجدت أنّ الأيام هي الحياة مقطّعة، كيف نستطيع مضغها؟، ولم تسغ لي أبدًا إلا كاملة، حتى مايسمونه لحظات لا أعترف بها، لم أحفل يومًا بمعنى أن تكون الحياة مجرد لحظات، كنت ومازلت محترمًا كل المآسي والجروح والساعات لكني لا أسميها بأساميها، أعتبر كل هذا حياة، حياة واحدة لا تتثنى ولا تنثني، ففي كل مرة حاولت تسهيلها تسييرها تبسيطها أقع في مأزق القداسة، العظمة، الشعور، وأنكفئ راجلًا وممسكًا كبدي خشية الكفر.

الليلة كانت كل الليالي، والقمر كان كل الأقمار الباهرة التي انتظرتك بها، العمر كله أنا، الشباب لم يكن شبابًا لأن الطفولة لم تكن طفولة، كنت أكتب لك قلبي كاملًا وجسورًا، كما ارتحت، وسأظل أكتب حتى وإن لم تعودي تقرأين كل ماكتبت، ولقد كتبت كثيرًا من الكلام الذي لا معنى له سوى الصراخ والاعتراض والتلكؤ عن المضي بعيدًا عن وحدة الحياة.

التفلسف في المعاني كانت محاولتي البريئة والعنيدة لصفّ طريقة فريدة عن معنى الحياة، ورصف كل الأشياء التي رأيتها متفرقة في قطعة واحدة، كنت أرفض أن أنثني للصواعق حتى أكتب عنها بعد أن تهدأ، وهل تصدقيني إن قلت لك إنني أريت قبل أن أرى ؟ وياترى هل تعرفين عدد المرات التي خاطبتك بها من قلبي، لم تكن كلمات بل كانت دغدغات، موسيقى، وكثير من الأنفة والفرح بأنّك تعيشين معي وبمعيتي وفي عصري ومكاني، ولكنها الحكمة الإلهية الباهرة التي تقف وراء مايسمونه الظروف، تُخفي لنا مالم نره بعد، ولست متفائلًا بفطرتي ولم أكن يومًا متفائلًا بشأن الحياة أبدًا، بل إنني لا أعرف معنى التفاؤل، بل كنت أتقبلها وأعايشها بكمالها، بصيرورتها كشيء واحد يعجبني أن أشعر به.

خشيتي كانت دومًا من موت الشعور وموت القلب، لا أستطيع إسعاف قلب ميت، أو قلب لم يعد يميزه حبيبه، كل الأمراض والأدواء أعتبر أنها محاولة لإنعاش قلب ما فقد شعوره، ولهذا ربما أجد نفسي مريضًا ، بقلب يفقد بوصلته كل مرة أعرف أنني أشعر، أعرف أنني أكبر، هذا الجسد يكبر، هذا العقل يذهل، لكن روحي لا تشيخ ولم تكن يومًا فتية، بل هي قديمة ، وقريبة، وسقيمة، ورواح الروح لا بالهوى يكون بل بتفنيده.

إني أفنّد كلّ ما أرى حتى يعود لهيئته أو يتماسك حفاظًا على هويته، والناس أجناس يتصابون مرة ويتعامون مرة ويؤذون مرات، إني أعرف كيف تمرّ الحياة على أحدهم حتى تهوله، فيقسمها بالسنوات والأشهر والأيام والأقمار كي يهضمها، لم أكتشف هذه الخدعة إلا مؤخرًا. وكانت مزحة ثقيلة على كبر تلقيتها ولم أضحك. هذا المكان مليء بالتافهين الذين يستبسطون كل شيء حتى فوات الحياة. وأنا كل ليلة أتحسر على كل لحظة بلا قلب، وبلا ذكرى، اضطررت إليها عدوًا وظلمًا، ويابعد ظلمي وجهلي.

ألازلت تصدقين كم كان هذا الأمر غضًّا بريئًا في عيني، وكيف أكل من يقيني شكك، وثرت مرّات وعاكست مرّات وسلّمت مرات ولم أجد من بقية لهذا اليقين، إنني محرج من كل شعور اصطنعته، وتمضي حياة المرء في زمن لم يعد لكثرة أو قلّة أن تحرّك شعور أحدهم، أضطر مُكرهًا للتخفف والتقلل من كل شيء، كي أعود فأشعر. كنت قد قطعت منذ أزمان أن يفهمني أحدهم، أن يفهم محاولاتي ومآربها، ووجدتك تفهميني بحبي لا بعقلي ولا بنيتي، لكنك أصبحت مثل الآخرين يتحرجون من الاقتراب لأنهم لم يعودوا يعرفون من يخاطبون.

في زمن مضى كنت أكتب دون تنقيح والآن أحاول أن أصف شيئًا واحدًا دون تحسين فأفشل، أكره الندم ولكن لا يخيفني، وأحب خيبات الأمل لكنها ترعبني، أخاف من أن يخيب أمل، وبتّ أتحرز مثلي مثل كل حريص كنت أعاتبه يومًا، لم أكن حريصًا في حياتي، وتماديت في التهور مرات ومرات، عجيب كيف يكون المرء من يكره لمجرد أنه عاشره مدة، وكيف هو رقيق عقل المرء وكم يتطرّى قلبه حتى يهرب منه ويتقلب ألف متقلب دون أن يحصي صاحبه مكانه، فكلها غمضة أو غمضتين حتى يبرق في مكان ما وعليه أن يظل يلاحقه.

لم يكن يومًا حديد ولن يكون، بل هو رحّال مسافر غريب ومتغرّب فريد من نوعه وعاصٍ بطريقة وحشية، أتراني أكتبك أو أتجنبك، عجيب كيف تتعرى الفاكهة من قشرتها فيطيب مذاقها أو يتعكر حسب الفم الذي يقضمها، ربما الأسرار التي أخبؤها وتغيب عني تقهقه في قاعٍ ما الآن، لكنها ستأتي وحين تأتي سوف تجدني مازلت قابضًا على حياتي كاملة دون تقسيم، ومستعدًا لأقول أو لأصمت لكني لا أنسى ولا أنام عن معنى عصرني وتيه قلبي.

إليك السلام.

من ينقذ الإنسان من الإنسان؟

قالوا إنّه يملك بالإحاطة, وقالوا أنّه يملك بالسبق، وقالوا أنّه يملك بالقرب، وقالوا أنّه يملك بالتجسد والحلول، وقالوا أنّه يملك بالتكرار وضرب المثل. فالأساطير أوهام لا تصحّ إلا بذهن الإنسان، وجودها دليل صحتها في عالم آخر.

أجاد الوقت تقليب الخواطر، فمن ينقذ الإنسان من الإنسان؟، ومن يحميه من نفسه إذا غاب الآخر، نحن لم نكن منذ الولادة في مكانٍ واحد مرتين، نحن نهوي منذ أحقابٍ من ديرٍ إلى دير، من بئرٍ إلى جبّ إلى خبّ.
أوّاه كم نغترب، أوّاه كم تمرّ أيامنا سريعًا، ونقطع العهد على أن نغضب، فنتعب من انتظار اللحظة الملائمة للغضب، فيموت الشعور، ويموت معه القلب الذي عزم على ألّا يهادن في أمر القلب، ثم نحيا بعد أمدٍ من الانطفاء والموت، نتذكر مامضى كأنّه لم يمضِ، وكأنّ العهد بالإنسان هو الذكرى لا الانتباه، ألم تداهمك يومًا خلسةً خواطر سوء الفهم: ألّا يفهمك أحدٌ عن قصد؟

أحدهم يحكم عليك في اللحظة التي يحاول جاهدًا ألّا يحكم عليك، والحياة تُفرّق بلا حلٍّ مطلق؛ بل إنّها مأزق، سجنٌ طويلٌ من الظنون التي لا تصح والمظالم التي يُنتقم بها من الأشخاص الخطأ. المقدمات التي يفترضها أحدهم إن لم يدرك أنّها تحدث في رأسه لغايات يشتهيها، فلم يصل بعد لمغزى التأمّل. إنّ التأمّل يعلّمك فقط شيئًا واحدًا: لا يمكنك إصلاح العالم. لكنك حتمًا تمتلك قدرة التحكّم في تأثير فساده عليك.

يالضعف الكتوم لا يلوم إلا نفسه، يالقوته يرحب بجميع ملامات الآخرين له. يالقوة القلب الذي يحوي كل هذه الحتوف ولا ينسى منها شيئًا. إنّ من الكفر أن تنسى، كما أنه من الكفر أن تحاول جاهدًا ألّا تنسى. فسبحان من لا ينسى لأنّه لا يحتاج لأن ينسى.

إنّ العدل الوحيد في هذه الحياة هو في فرصة الحياة وخلاص الموت، ومابينهما نوايا دفينة أرادها أصحابها دون إرادة مقدماتها، والله يعطي الأمر مع إرهاصاته ولوازمه ولواحقه، فمن أراد أمرًا فعليه أن يقف له ومن أجله، ومن أراد أمرًا فعليه أن يختاره بعناية فيتحمله.

الخيال كذوب وخلوب وطيّار، لكنه ساحر وملول، من يستطيع السيطرة على ملله؛ يستطيع الهرب من سطوة سحره؛ وعليه فإنه يستحق الإلهام، يستحق الفكرة المتكررة، والسنّة المؤكدة. يتخيل الناس أشياء في رؤوسهم عنك لأنهم لا يستطيعون التحرر من خيالاتهم، وينتهزون أقرب فرصة لتثبيت التهمة عليك حتى يكون أدنى فعل منك بمثابة دليلٍ صارخٍ على ذلك.

فلا أشعر بالملل أبدًا إلا في اللحظة التي يهددني بها أحدهم.

أن يرى المرء مالا يُرى عليه أن يتمثل بالحبيبة وأن يكفر بالأشخاص ومظانّهم.

كره الكلمات ينبع من يقين عميق بقصورها عن تحنيط مشاعرنا الجيّاشة بالطيور المهاجرة. وفي هذا الأمر على المرء أن يربط نياط القلب ببعضها من أجل ألّا تنفلت فيضيع جماع المرء وتذهب ريحه. ألا ترى أنّ الإنسان إن خاف يحاول جاهدًا أن يرعب آخر تحت حجج كثيرة واهية. لم أستطع أبدًا تبرير كيف ينتقم أحدنا من الآخر لأنّه مظلوم. من ينقذ الإنسان من الإنسان؟

يكاد المرء أن يناقص قوله فعله في كل وقت، بل يكاد إن أحسن الكلام ألّا يفعل، ويكاد إن فعل ألّا يجيد اللين والطيب من جود اللسان، ولا يجمعهما إلّا من مرس على الاثنتين. وكنت قد أدمنت النظر في الناس فلا أرى إلّا مارأيت، ويرون مالم أرَ، فلا أمل في التفاهم أبدًا إلا في التوافه أو بالتنازل عن الفهم.

ولا أقول ولا أزيد، فلم يكن قلبي يومًا حديد؛ ولأنّه كذلك أبكي على الإنسان: من ينقذ الإنسان من الإنسان ؟