يالله لا تخزيها يوم البعث

الموت كائنٌ كبير
ونحن أبناؤه
بأفواهنا الضاحكة
وعندما تحسبنا في صميم الحياة
يجرؤ هو على البكاء
في داخلنا.*

قلوبٌ حارّة تحييك بعيونها الرطبة، هذا مايسليك في كل أيامك الطويلة، كانت الحياة بلا قلم ولا ورقة، وماكانت الحياة لولا تسلية الأماني المنسابة من عينيك، عيناك اللتان راقبتهما تذبلان مع الوقت، كأنهما الوقت. ماهي الحقيقة التي يحملها قلبٌ يحتمل كل قلوب أحبابه؟، ماكان نصيبها من الحقيقة مخيلة تلك الفتاة العذراء البريئة؟ تخترق الممنوع بضحكة ليست بذيئة ولا خجولة، بل جهولة وتنسى.
لم يكن الألم رفيقًا بك، كيف يتعاظم الإنسان يا أمي أمام الهزائم؛ كيف يكون شجاعًا ليعرف حقًا ماوراء التعريف المتداول للشجاعة. كيف يهرب من الموت مرارًا ليصل إليه، ويختاره عندما يريده؟
وما أسباب الوفاة ؟ إنها ذاتها أسباب الحياة؛ تغير سريع وجحودٌ فظّ لكل الثوابت والمبادئ. هزّة في الوجدان، ورفّة في الأجفان، أعصابٌ تذبل سريعًا بإزاء اللحظة التي تتفلّت كدوامة القيامة.

إنّ الموت فظاظةٌ تجرح الغافلين عنه.*

بريئة كنتِ كفتاةٍ تمتثل لقصيدة.*

هذا السقف كان بعيدًا كيف اقترب هكذا؟
هؤلاء الأولاد كانوا صغارًا من ذرّ الرماد على ذوائبهم؟
كيف اجتمعتم كلكم هنا؟
كيف اتفقتم؟
لا يوجد مايكفي من المؤونة في الثلاجة.
كيف سأمشي إليكم بلا أقدام
كيف تجرأتم على الوقوف بينما أنا مضطجعة كدمية؟
خذوا قلبي الذي جرّب كل مأساة.
ولتنهمر السماء – تلك دموعكم – مازالت ترائي الملأ
ولتشربوا قلبي الذي تفرّق بينكم
إنّي لا أعرف كيف كبرتم هكذا

من قهره ذلك الملاك
الذي تنازل عن النزال غير مرة
خرج مرفوع الرأس ماشيًا باستقامة.*


إنّ الكلمة التي تغادر فمك ماوجدت قلبًا ليكتم عنها
فإن هبطت على قلبٍ يكتم عنها ازدهرت
وإن لم تجد ستتنقل بين القلوب فتلوكها الألسن حتى تمجّ وتُبصق
وكذلك الكلمة المكتوبة، هاربة من حرقة ماعادت تجد قلبًا يسعها
ثم غادر القلب.

ثم غادر كل شيء مكان القلب
دون أن أعرف في البدء إلى أين
مشاعري كلّها، كلّ ما أكون
تجمّع، تدافع، وصرخ
إزاء العينين المقبورتين اللتين ماعاد لهما من حراك
كل مشاعري التائهة
لا أعلم ما إذا كانت بقيت هكذا سنوات
لكنني أعرف ماكانت تلك الأسابيع
التي عادت فيها محطّمة عن آخرها، وماتعرف أحد.*

إنها تسمعني، أنا متأكدٌ من هذا
كما كنتم متأكدين من أنها لا تقرأ ولا تكتب
سوى العيون والشفاه
إنها تقرؤكم السلام من أرض الأحلام.

أحسّ بوردة بيضاء كبيرة
وهي تمرّ قرب يدي
ظلام يتلوه ظلام
وكنت أحسب أني كنت أرى سلسلة من النور
على أهبّة الانتشار مثل نهار
وأحسبني سائرة صوب الصباح
الذي كان هاجعًا بيني يدي منذ سنين
وكنت أوقظ أمي عندما كان نعاسي الثقيل
يسقط من على وجهي المظلم
وكنت أصرخ بأمي: اقتربي هاتي الضوء.*

كنا نعبر الطريق أكثر من مرة
وفي كل مرّة تتوطد الثقة
بأنّ الدماء دماء
وبأنّ الكلمات التي تغادر
عبر الليل تصل إلى أماكن بعيدة
أبعد من الخيبة التي تدهم الخيال
عندما يقصف الواقع إجاباته
إلّا أنّ استنتاجًا قديمًا
هو دائمًا ينقذني:
أنّ الخيال أقرب إلى الموت من الحياة
الخيال من عالم الأحلام
والأحلام برزخ بين الموت والحياة
والموت برزخ بين الخلود والفناء
أطول وأثقل قليلًا من النوم
الحدود مصطنعة، والحرية أبدية
والقلب المبصر
من شدة إبصاره يتعامى
وهذا الليل ونحن نعبره
كانت تقول لي فيه أمي:
سبحان خالق كل هؤلاء البشر
بأحزانهم وأفراحهم
بأشغالهم وهمومهم
برفقتهم وانقيادهم
بقلوبهم التي تسع أحبابهم وأعداءهم
سبحان من لا يضيق بعددهم
ولا يتوه بكثرتهم
ولا يعجزه إحصاء أعمالهم
ولا تنقص خزائنه من ثروتهم وأرزاقهم
وكان يدور في خلدي أنّ الطرق
لاتطول مع الأحباب
والليالي لاتظلم بنا
وهم بنا
وإنني لا أنظر إلى الوراء
ولا أتطلع إلى الأمام
لأنهم هنـا
حتى وصلنا ، أو كدنـا نصل

ولكي يصالحـك احتضاران
وهذا الاحتضار الثالث
الذي كان يتهددك منذ آلاف الأعوام
من أجل موتك هذا
نهضت حيـوات
وضفّرت أيادٍ أكاليـل الزهر
وتكونت ثم تلاشـت
نظراتٌ أعارتها الورود حمرتها
وزادها الرجال عنفـوانًا
ومرتين أٌلّف فصل الموت هذا
قبل أن يداهمكِ أنتِ
ويغادر المسرحَ المطفأَ اﻷنوار.*

عصافيري
لا أكتب، كما تعملون أيضًا
لكنني أعرف وجوهكم وعبوسها
وأعدّ خطوط جباهكم
وأفرّق خصلكم السعيدة
عن الشقيّة
وأصلي عليكم
وأقرؤكم الصلاة
وإذا ما آذاكـم هجري
فهو هجـركم
وإذا ما آذاكم جهلي
فلم يعجز جهلي عن إنجابكم
.وما تعلمون

طيوري
لا أقرأ ، قلبي الذي قرأ
إذا ماوحـى
أعرب عجمتكم
وجمع شتاتكم
وآنس وحشتكم
بابتسامتي وحدها
تشعرون بالـدار
وحُمى الأهـل
تذوقونها من خبزي
إذا ما سرى في قوانصكم
ولا تشكرونني
وتنضج في أحداقكم
فأبكيكم.

كتاب الصور – ريلكه *

اتفاق الطيور للذهاب نحو السيمورغ.*

لو كان هاجسًا ما رأيت سواه ولكنه حالٌ حالَ مع تحوّل الحول. الذنب حملٌ تعلّمتُ طرحه من طائري الذهبي، بالصفة والعمل، لو كان لي يدٌ في الرؤيا ما رأيت، ولو كان تأويلها يغني لأوّلت وولولت:

مرحبًا أيها الطير الذهبي ادخلْ بلطف
انهمكْ في العمل، وادخل كالنار مسرعًا
واحرق من الحرارة كلّ ما ياتي أمامك
وأطبق عين الروح إطباقًا تامًّا عن الخلق
فإذا صرتَ في أمر الحقّ طيرًا كاملًا
فلن تبقى أنت، وسيبقى الحقّ، والسلامْ.*

كان الطائر الغريب بقوائمه الخضراء ملقى على الكرسى ذو القوائم الحديدية فوق مسندة حمراء في وسط الغرفة المهجورة أول مدخل القصر ولم يبد هذا الطير أي اهتمام بقدومهم ولا خوفًا من وقوفهم أمامه، اقترب منه أوسطهم بحذر أثار حفيظة من معه:

لمَ يبدو عليك الإجلال لطائر لا يكاد يقوى على الحراك، لسنا هنا من أجله بل من أجل ما في القصر.

قال: هي أنثى وليست مجرد طائر، ألا تحس بخفقانها يسابق خطواتنا إيقاعًا؟ وأنثى الطير هذه ككل إناث الطيور تختار من يقترب منها كائنًا من كان وشرط الاقتراب أن تكون مليحًا ومصداق ملاحتك أن تقول مليحة فإن أعجبتها سمحت لك بلمسها وإن لم تعجبها هاجمتك فإما أن تموت أو تموت.

وكأنّه أُخذ بحادثة قديمة أو رؤيا رآها حين ابتدرهم غائبًا عمّن حوله: نحن هنا من أجل المال وحيثما وُجد الطير في مكان ما وجدت القدرة والحكمة والمال ووجودها علامة على هذا، يبدو أنكم لم تسمعوا بمفارقة خوف السمّان و الثراء الفاحش، صمتٌ في الغرفة المهجورة حتى الأنثى اعتدل خفقانها حين أحست بهدوئهم، فاستطرد:

أيها القُمْري الذي قد جاء محبًّا وموافقًا
والذي قد ذهب مسرورًا وعاد ضجْرًا
إنّك ضجر من أنّك قد بقيت في الدماء
وبقيت في مضيق حبس ذي النون

الأسطورة تقول أنّ “خفقان السمّان علامة على وجود الأثرياء” ، حين يكون الخوف مُعدٍ تلتهب قوانص السمّان من شدّة الخفق فلا تستطيع مغادرة المكان، فهي آتية تبحث عن الأرز من حاجة، عالقة في حقل الوجيه حيث الصيد للترف، فيعديها هذا الترف، فتضع بيضها دون حمل، وتضع أحمالها دون أمن، فتموت قبل أن تموت، يغريها ترف خوفها، تعيش بين الترف والحاجة ترفرف وتحوم في دوامة تنتهي غالبًا بموتها، حين يرعبها صهير الحديد فتعرف أنها مشتهاة، فتشتهي.

مرحبًا أيتها الفاخنة، اشرعي في التغريد
حتى تنشر الجوهرَ عليك السماوات السبع
ولأنّ طوق الوفاء في رقبتك
تُشينك الخيـانة.*

لم يحرك الطير ساكنًا لم يفهم من القصة سوى أنهم أتوا من أجل المال فمال عنهم وغط في نوم عميق، أو ربما موت.

مرحبًا ياعندليبَ بستان العشق
طرّب بلطف من ألم العشق وجواه
نُحْ بلطف من ألم القلب نواحَ داوود
حتى يفدوك في كل لحظة بمئة روح.*

ينبغي للعشق رجلٌ كاملٌ مجرّب
ينبغي للعشق أناس أحرار
ولست أنت بكاملٍ مجرّب، ولا عاشق
إنك ميّت؛ فكيف تليق بالعشق؟
ينبغي في هذا الطريق مئة ألف رجل نيّر الضمير
حتى يضحّي في كل لحظة بمئة روح.*

*منطق الطير

إذا كنت حاسبت البستاني، إيه ذنب الورد؟

قد تكون أقرب حتى أكاد لا أراك وتصيب عيني سبخة المرض
وقد تكون بعيدًا وتتراءى تفاصيلك بعيدًا عن الخطأ والصواب
على مرأى الخيال دون قصة أو سياق بشعور الشيء وضدّه معًا
بإلهام الأسماء الأجلّ وبجهود الشيوخ الأٌوَل:
أتراءى فأرى مرجًا أخضرَ سبحتُ فيه أمامه، كانوا صِبَاحًا متحلقين متخلقين بأسمالٍ بيض كأنهم البراءة
وأمارتهم أن يشجيهم الطرب ويطربهم هبّ النسيم
وكانت مرخيةً غرّتها كالشمس، لؤلؤتي تخرج عن الصدف.

الدمعة إذا وافتها الدمعة أيهما كانت مواسية ؟ وعلى هذا.
كان على أحدنا أن يرقص وصاحبه يصفّق، واخترتُ الإيقاع لمراسٍ طويل
على أنّ الرقص كان يخيفك مآخذه، إنّ التحرر صبر ساعة على اللسعة
التي تصبح وحمةً أو خالة، والعلامة مؤنس، وإشارة تعبر بك إلى الضفّة
لاتكون مؤبدة في الذاكرة إلا إذا كان قبلها عقبة. من هنا أشتري الألم دائمًا
وابتاع النقيض الممقوت ستارًا على السرّ المبخوت

إنني وباختياري السكوت أو الكلام – أغيب عن الأنام – إلّا أنّ حمرة الخد تعلوني عند الكلام
ظاهرٌ وجهي وصبحته قديمة إلّا أنّي لا أشتري مايجتني مادمت مفارقه؛ وتلك كانت حسرتي الأولى
ووقوفًا عند الحديث عن الذات المجروحة؛ وقوفًا على حقّ الواجب على الممكن، وتذكيرًا بأنّي ولدتُ لأكون كلمة ومالبثت
أسرّي عن الجوع بالتواضع، وعن الرغبة بالكبرياء، ومن أجل الكلمة أشتري في وجودي الفناء.

أراك تتباعد كالشمس وأحب الستر والسهر
وأراك تتكامل ثم تتناقص كالقمر وأحبّ التلفت والصبر
وأراك تتقلب كالفصول وأحبّ البرد والحرّ/ والصحو والمطر
وأراك تشبه الحياة وأنا أحبّ، أحاذر، أخايل، أغترّ، أرمز، أسحر، أمتلئ براءة وقهر وحفيظة تُثار عندما تغضب.

أتعمّد أشياءً لا أقوى عليها لأعلم أنّه ظنٌ فقط، أننّي لا أقوى عليها،
تتغمدني رحمة الوجود فأكون كما أكون

أوراق الوردة بتتكلم: كتروا من الحب تلاقوا الحبيب بيجي بوقته ويقسم أنه شاري والله شاري.

فلكان مبتهلان

واقفون على حدود الأسى خائفين من العبور للتأسّي، ومستعدون لهجمة أخرى من المآسي.
توشّحنا السواد على الدوام، رغم أنّ الزي ترف، ورغم أنّ الغفلة مصير.

تسابق الأيام، لا أعرف ماذا تُطارد، كل يوم في مدينة وتشاركها جسدَها جروحٌ تُرى ولا تُرى.
أوقعت كثيرين في حُمى مطاردتها، ومازالوا يفعلون بهدى وبغير هدى، وعندما أحبّت فعلًا أن تُطارد، امتنع الصيّاد وتحجج بقيود أخلاقية.
الأخلاق عندها أمر ثانوي عندما يتعلق الأمر بروحها، حريّتها تدلّها على أن الأخلاق الصلبة ذات الحد الشرس لا تناسب ذوي الأرواح المرتعشة.
وصلت عنده وغلبتها روحُها. أضمرت قائلة لنفسها:
لن يراني ولكنه سيطاردني حتى يظن أنه سيراني،
سأراه حتى أظن أنني سأحبسه بقلبي،
سيرانا الله ويطبطب على قلوبنا قبلًا وبعدًا لأنه عالم نوايانا وخالق قيودنا،
سوف أقترب منه حتى أكاد أتنشّق رائحته، سوف أجعل مدينته التي يتباهى بعزلته بها موحشة،
سوف يتراءى له طيفي ولكن لن يراني، حتى ولو نظر إلى الجبل-أو قناة مائية يمشطها طولًا وعرضًا-فلن يراني،
سوف أرتعد وأمنعه من احتضاني، إنني أعرف أن ضعفه ضعفي،
سوف أضعف أمامه للحد الذي يتقطع قلبه رغم أن من يعرفني يعرف أنني أنا أشجع من في المعمعة.

إنني أنصت له بعد أن ظننت أن لا أحدًا يجيد الكلام سواي، الكلام الذي لايقال هو يقوله كله بتهوّر لا يعرفه من يعرفه،
وكأنه انسلخ من ملابسه وجلدته وضمّني بدمه وقلبه، إنني أكرهه بالحد الكافي لأن أعرف أني أحبه،
وأودّعه كأم موسى أمام البحيرة، وأرحل عنه في عز توجسه من رحيلي كيوسف وأبيه،
وأضمه لحجري كما فعلت عائشة لمحمد على فراش الموت،
وإنني المسيح لو أراد صلبي، لكنه حواريي وأعرف أنه لن يفعل،
حيرتي كحيرة موسى عندما قابل الخضر، لكن الفرق أن كلانا يعرف الجواب دائمًا:
روحانا معجونتان بدقيق واحد وتنور واحد تلهج نيرانه لإنضاجنا، خبزة، هو مصيرنا فإما أن نُؤكل أو نيبس.

أنا المعذّب والمعنّى
أنظم شعرًا وأطرق معنى
وأسبح في ظلام سريرتي
فتفيقني نفسي ومرآتي

على طريق التطهير أن يبدو كأنّه عذاب أكبر.

وبمجرد أن حللتِ مكاني، أحببتك بلهفة، حبًّا لا تشوبه أي شهوة، أحببتك حب الحقيقة، حب الصحبة، حب الخلاص، حب النوافذ والشمس،
أحببتك حب اليابسة للبحار، أحببتك حب الوجهة للمسافر، وإنني على استعداد للسفر مادام السفرحلَّا،
وعلى استعداد للغربة مادامت الغربة وطنًا، أتعرفين أني لا أريد أن أعرف على أي حالة وهيئة تأتين،
تعالي بهيئة بشر أو رمانة ، تعالي بسحرٍ كغزالة، ملاكًا كنتِ أم شيطانة، المهم أن تأتي، فمنذ أمرتني بالقراءة أول مرة، وأنا أتبع طيفك وآثارك في كل مكان.

أنا لا أريد أن أحبك كحب البشر، البشر يحبون لكي يحبسوا، يحبون لكي يشكلوا الآخرين على أمزجتهم،
إنني أحبك حب أن أحررك، إنني أقاوم رغبتي في تشكيلك بعدم الاقتراب إليك أكثر،
حيث إنني لا أريد أن أعرف إلا ماتريدين أن تشاركينه فقط، مسافتك التي تختارينها هي مسافتي:
البقاء على قيد الحياة ونحن نطل على جانبها الآخر بحماس الأطفال، نطل على الحب، نطل على الموت، نطل على بعضنا.

وله أن يمشي بيده عاريًا من الظنون متوشّحًا بالخطيئة يحرس الكلمات من أن يصيبها غول المعاني يرى بعينين ويومئ كأنه لم يرَ يغفر ويغفر.
يغفر لمن يستغفر ويجتبي من يحب؛ حتى وإن عرّش في فؤاده الحقد لا يعوّل على الذاكرة، في كل يوم يرى وجهًا جديدًا لا يعرفه في كل الوجوه التي يعرفها،
فالوحشة لديه أن تعتاد، ليله نهاره لولا كثافة ما تبقى من جسد.
غضبه بعد وقربه حذر يستمع بأذن ساهرة مابين الشك والخطر،
ويعرف حقّا إغماض النوايا اليائسة كم هي مشتهاة ويفتح بابًا للتطهير من شدة اتساعه تحسبه مدينة بأكملها،
ففي بعض المدن التي تعرفها مدن لا تعرفها لو أمعنت النظر وأحسست بالقلب الذي يركض وتركض خلفه
الحياة سوّدت وجهه وقلبه عرف علامتي من عيني وميّزت علامته من صوته،
جروح وحين تمر بجانبها ولا تعود تأثر فيك وتظنّ أنّك شفيت، وهيهات؛ فالمبتلى حيّ، والحيّ لا يطلب الموت قبل الموت، ولا يطلب العذاب لكنّه يستعذبه.
لديّ ألف سكين سننتها يوم الهياج ووضعتها بجانبي في قبّة البيت فعلى هذا الهدوء الداخلي أن يورثني انفعالًا غضًّا لا ينبغي أن يعرفه أيّ مدّعٍ.
الآن فقط على السادر أن يضع أحمال الطريق ويستريح تحت سدرة فقد كان دربًا بعيدًا وهجيرًا أحمرا.
إنّ عليك أن تعيش وتؤمن كما لم تخبر أحدًا قبلك قد فعل، ثمّ تسلم وتسلّم كما فعل كل الذين تعرفهم.
ففي اليوم الذي تنقلب فيه الظواهر والبواطن يصبح كلٌّ في مكانه.

لغزالةَ من أعراضنا ما استحلّتِ

عَتَامٌ وأسبحُ في بحر اللُجج
حُججٌ تحجّ إلى العقل الخصيب
من بعدها حجج
تجادل في غفران الصغائر
وعن ذنْبِه الكبير سَجّ
قلبي المسجّى بالمُهج
يخاطر في حجّه
حجةً بعد حجة
يعاود سفره المقصود
كساعٍ فقيرٍ
يُناوئ ضمّة المرْج
يُسائل ضيفه الحلّاج
أألف مرةٍ يضيق كلّما ابتهج؟
ثمّ يعاود ممسوحًا
غَفَرَتْ هذه الدمعة ذنبي
والمعنى يطير
حمائم في ناظري
فيا أيّها الدهر
مقدسٌ عملك بنا
طيرك الفزِع
يتوق لمهربْ
يشتهي برجًا ومَرْقب
ليحظى بنعمة الرؤية
ويُوهب قلبْ
ليستشهق من صباحك نفَس
طباقٌ ولِبْس
ومسّةٌ تهبُ الأنس
فراقٌ وهجْس
وعصرةٌ تخضّ النفْس
فيا سيدي ووليي
يامنعمًا في عزّة
يا سابقًا في حكمة القِدم
ياعليّا
يامقصود الغربات والقربات
هلّا ألقمتنا كلماتك
خبزًا طريّـًا
لا موكولة إلى حَرَس
ولا مكتوبة على طُرَس
كي يزول هذا الوهس
فأحاججك ولك العتبى
فما منع من خلَقَ
وما تجاوز من تخلّق
عن سرٍّ كمن
في بحر “كُنْ”
وعمّن حوى في ضمنه ضدّه
وفي خلّته لدّه
وفي كلماته تجسّده
وفي حانته مسجده
هل له من وِحدة؟
أم تلك جناية العقل
وضغينة النفس؟
والأيام ماحبكة الأيام:
يوم بأمس
يوم بساعة
يوم بشهر
يوم بسنة
يوم بألف
ويوم بخمسين ألف
وكل أيامك أقدّس
حملتُ مسؤولية العلم
وحمّلتني مسؤولية طلبه
وحملتُ محكمة القلم
وحمّلتني عقلًا يطلبه
فلا على اختلاف أتعجب
بل من وفاق
فبما تقدّم وبما تاخّر
أشهدك بكلّ حقٍّ لا أعرفه
وبكل حقيقة لا أدركها
وبكل غيب أؤمن به
وبحقّ الخوف من الجمال
وبحقّ الهيبة من الجلال
أننا منك وإليك
وأنّه سُلِمَ ولا بواكي له
وأنّ الشكاية لك دون غيرك
وأنّي قد غفرت وأبحتْ.
فأنت الناهي وأنت الآمر.
هنيئًا مريئًا غيرَ داءٍ مخامر

الكلام الذي سأقوله لزجاجة قلبي

استراح المقام، وجاوزت العين أغيارها إلى سؤددٍ لا يُرام. كنتُ واحدًا، فأصبحت قلبًا ولربما اعتاز القلب حاجاتٍ عظام. وحين اتسع؛ خبّأتُ النشيج إلا زفراتٍ ليس لي على كبتها عظام. وتمرغت في الوحل، ودخلت أحراش الخطيئة، ورافقني الشكّ، وأحرقتني الغيرة، ولم يمنعني المقامُ من التأمّل في حال المحبّين فما وجدتهم على حالٍ واحدة، فكما أنّ الله واحد وهذا خلقه، وكما أنّ الماء واحد وثماره المجتناة مشتبهة ومتشابهة؛ فكذلك القلب وقرعه يحسه المحبّ ذاته في كل قلب وآثاره متباينة، ولقد كنت في صباي قد أدمنت القياس والرصد وأخذني غرور الشباب إلى مقاربة الأحوال، لكنّ العمر مفصح والأيام مبينة، وقد حيّرتني.

أين خطفة العين من خطفة القلب، في بارق العين سرقك هذا الطيف، ولو أبحرتَ أبحرتَ في الطيوف ما أوصلتْك، وكنت قد ركضت حينها جلّ عمري وماوصلت، أركض أتبع قلبي أو يتبعني، وربما أبعدته عني لوخزه فأبعدني، وباعدني. دون ذكر محاولات الغوايات سرقة قلبٍ غضٍّ أعزلَ، ودون ذكر المنايا وتغريبها وغرباتها وغرائبها ورغائبها ورغبها، ودون ذكر العيون التي تحبها تطفح بكل مالا تحبه، فتعلم حينها كيف تُصاب القلوب وكيف تُصوّب.

طفلٌ يلعب يراقبه أبواه وحين يعلم بمراقبتهما لا يتعب، مالذي يسحر الأطفال باللعب سوى غياب الجزاء، مالذي يغريهم تحديدًا بلعبة الاختباء، سوى أنّها سوف تنتهي هذه اللعبة حتمًا بإيجادهم.

صفّحت قلبًا عن الصدأ بالآلام، كلّما لهى أدمته عثرة ودمعت عينه توبةً ووجدًا، وخوف الحكيم من مكر الحليم حين يغضب، يبتلي بذنبٍ يُظنّ ألّا جزاء عليه فيخطئ، وللعزم مدى وللخطايا تقية وللذنوب تطهير، وحبيبي مسافرٌ في عالم الجمال أرقبه على طول المدى، يرقص رقصته الجميلة ويحمّلني أطواق الحسابات والظنون وردة وردة.

-ألا تغضب ؟
-لا أغضب حتى أترجم الخيبة إلى معنى، لكني أختار دائمًا رؤيتها تتبختر أمامي دون اسم ودون رمز وبهيئة معتمة تختفي في الحلم ويبعثرها خوفي وقديم صبري وتجلدي، لكني أغضب من محاولة إغضابي، وتلك حال أخرى.

أحسبُ أنني لا أستطيع إشاعة شيء للناس بنفس القدر الذي لا أستطيع به إخفاء شيء عنك، خوفي الغريزي والتلقائي الأول الأقدم المقنّع الواضح المعجم الفاضح والذي تعرفينه بطبيعته قبل الصياغة، يرى ويبكي وتبكينه حين يبكي، ويبكيك، ويسمعك ولا يعرف كيف يفعل بسهولة الوصول أو بالاستجوابات الفجّة لأناس يملّون وحين يملّون يظلمون، وأعرف كيف يراني من يكرهني، بنفس القدر الذي أعرف به أنه مامن فعل سأفعله إلا وستزيد به كراهيته، فأضحك على غشاوة العين سوى عن رغبتها، فإن كانت مسافة الظلم حديث لما تكلمت، وإن كانت نظرة لعشِيت، وإن كانت لقاء لتواريت، وإن كانت صمتًا صرخت، هكذا أرى أو هكذا أُريت.

هزمتُ الخيال نعم، هزمته عن رغبته في امتلاكي، لكني لم أقتله بل خدرته، ويغلبني قلبي، قلبي القليب، الكامن داخل قلبك في زجاجة.

أنيابٌ خديجة لحقد قديم و منحازٌ إلى رئة

اللسان بكل أحواله لا يعدو كونه أداة الهرب من الكلمات الأليمة، لم أتبرأ أبدًا من ذنوبي لكنّي أتبرأ عمّا سواها، حيث ينسى الآدمي في سنحة أن يعرف حدود ذاته


كما خلق الله البسيطة
كي تنثر أزلام أجدادك
مقتسمًا علكة نبتت
من صرير السنّ بالسنّ



عيدٌ يتمخض في الخفاء
أنْ خلقني الله لسانًا
لكل هؤلاء الغرباء


ظالمون
يمرون عبر الأصول
واقفون على بابك
كلّ يظنك منشفته
تركوا ملامحهم وبادوا


ظالمون من صلبك
أورثتهم ذنبك
ظالمين بالعدالات الخمس
وحّدوا فراغ النفس
صوّروا أقدامهم
صيّروا حرابهم مرآة
لنكش النفس

قد كنت قصدت الراحة
حين قضمت أظفار الأمس
باحثًا عن أنيابٍ خديجة
وأنا ناب قديم
بين جدّ وجدّ

وأنا سهم وقوس
بين ضيف ثقيل
وخلّ قتيل
ونار وليل

وأنا حارس الأمس
يتيهون فأرشدهم
إلى ليلتي اليتيمة
خلف أستار البهيم

لأخبرهم بأنّ الخالق قديم
وأنه سفر وحضر
غرق وتشهيق
نحيب وسلا
قلٌّ وقِلى

يومًا ما ستهدأ الزوابع
وخلف كل باب
سيأخذك جواب
إلى عمرٍ ما

يومًا ما ستعرف
كيف يحلّ الماء الماء ليصفو
فيصفو
وكيف يحلّ المرء حرامه
فيعفو

ليفسّر ماسقط من أسنانه
كهروب أيامه وأحلامه
وكما نهش المارون الثقال
من خرّوب براءاته

فإن هي ضاقت عليك
فعظّمها مسافة
وابسطها حسافة
لتجديني ذات الشخص
بألف قناع
وتوقيع واحد

.. هيلن هدية الخالق لي منذ عرفتها وهي تهرب ..

من المتراكم إلى المستوي
ومن الواضح إلى المنزوي
ومن الانشراح إلى الضيق
ومن الشعب إلى الشِعاب
ومن الرئة إلى القلب

ومن التكسر إلى الضمّ
ومن اليباس إلى الورق
ومن اليرق إلى الاحتراق
ومن الفجيعة إليها
ومن الفضيحة عليها

من الأنوثة إلى اللغة
ومن اللغة إلى الثورة
ومن الثورة إلى الشكّ
ومن الشكّ إلى الشكّ
ومن الشكّ إلى الشكّ

دوائر وبتلات
من بعد بتلات
بللتني وابتلّت
وابتلتني وابتُليت
وأدور معها في الصف
وأدور معها في الغيب
وفي التنزيه وفي التشبيه
وفي الحشمة وفي العيب

وندور ندور
ولطالما كنت أدور لوحدي
وندور ندور
كما قد ألفت أن أدور وحدي
وندور ندور
كما أشركها الله في نردي
وندور ندور
فلم أعد بعدها أعدّ النرد
وطالت خطوتي التالية



الرقّة المنشودة من الرِقّ
والرِقّ المبلل بالدمع خالد
الديم المتزاحم على حدق
دليلٌ على الحياة صادقْ

إليه الذي يأتيني مترنّحًا كقطعة شوكولاه ذائبة

سكتٌة طويلة
هذا الصوت يحجزني عنّي
هذا الذنب يحرقني
هذه العقد الطويلة من الملامات التي تسكن معاضدي
طفلٌ أتيت وطفلٌ سأغادر
فعلامَ نسلّم الأدب كما لو كنّا نسلّم صكوك الغفران

سكونٌ عميق
مازلت أستمع إلى صوت اهتزاز نبضي بإيقاعه الهادئ
هذا الصوت يثير دمعي
حنينٌ إلى السكينة التي يقننونها كحقّ عليك أن تعمل لتستحقه
الآخرون دائمًا هم الآخرون
يقدّمون الودّ في يد والمدية في الثانية

سرابٌ بعيد
خيالاتي التي حملتها معي طويلًا
كلّ أحبابي، كلّ غيّابي، كلّ مواعيدي
فقد علمتني الحياة أنّ التوقيت كذبة
نتواطئ على تمريرها
والحرية فسحة أقصر من أن تهبها لأحدهم دون قصد

جوعٌ شديد
صراخٌ من الداخل، تدريبٌ على إغمات الشهوة
الشهية إلى الألم، السفر إلى المعنى، الصبر على الرتابة
المحاولات المتتابعة لإتقان أمرٍ ما
الاستنتاجات الصغيرة بعد كل محاولة فاشلة
هذه الثمرات النادرة التي لا تُعصر لتقدم في كأسٍ باردة.
مع السكّر والثلج

غرابةٌ قاتمة
أنْ كيف يصل الناس إلى الحقائق الكبرى في أوقات مختلفة
بناءً على شدّة هرولتهم وسعيهم
وهذه الركاكة في السرد
أحسب أنها تلكؤ ، انتظارٌ على الرصيف
من أجل حبيب يتذمّر من تأخيري
فيما أنا سارحٌ أتأمل ثغره الذي أريد قطفه

بردٌ قارص
من احتجاب الربيع عن الظهور
ونشوة داخلية وأنا أسرق تصاويرك
بينما أنت تسرقين قلبي وتطوّعين أيامي
فكم كنت كبيرًا، وكم كنت صغيرا
وكم كنت غنيًا، وكم كنت فقيرا
وكم نهلًا أوردتني، وكم مفازة جاوزتني

عامٌ جديد
لكل الفتيات اللاتي يقرأن
كلمات الحبّ ويسهرن هيامًا في خيالاتهن
عنه الذي لا يأتي، وعنها التي تنتظر
اطلبن واستعرن وناولن الحلوى
وقدمن المكر والحيلة، لا حسن النية
فإنهم ينتظرون نداء الحياة على طبقٍ من لهف
فقد عدمت الدنيا، إذا عدم العشّـاق

انغمس فانغمر فوالى ثم توالى

يرفع يده عالمًا بأنّ ماوراء الوراء وراء،
 وفوق الفوق فوق، 
وداخل روح الروح روح،
 وأنّ النواحي باطلة وأنّ الناحية واحدة؛ لكنه مازال يرفع يده، 
كما أنْ يصانع عقله الذي كبر عليه جدًّا وبدأ يثقله، 
مغاضبًا يحمّله مما لا يطيقه. 

أيْ صاحبي لمَ تكتفي السعادة بدمعة واحدة ولا يشبع الحزن من ملايين المواويل والدموع والشهقات والنحيب؟.

أجمعَ على أن يهاجر ذلك المكان الذي لا يعرف الولاء، وقد كانت فكرته عن الولاء منذ الصغر شيءٌ بلا كَفاء ولا حدّ، كلّما تقادم تجدد، ولو جمعوا كل هذا المال والهواء لن يستطيعوا أن يتخلصوا من قيد الزمن، قيد السنين؛ لكنّها ذات الهجرة التي ظنّ أنّ فيها الخلاص كفرٌ بالأرض التي رعته وآنسته وحفظت له مواطئ أقدامه. 

هو ذات الوفاء لناحية خيانةٌ لأخرى، والصدق إلى أمد لا يشبه الصدق في شيء.
 والكتمان ليس يعني اليأس،وليس بالضرورة صبر؛ 
إنّما هو ذلك العقل الذي كبر وذلك الجسد الذي يشي،
 وهذه اليد التي تشهد، واللسان الذي قال كل الوبال، 
وكلّ مالمس تلك النفخة قد نال من منهلها وأسمالها، 
ومن يلمس يُمسّ.

وعى على هذه الحقيقة المخيفة، عن عبثية القوالب، وسحر المناظر:
 أنه بذاته الحقيقية كما هو اسمه، سحرٌ. سحرٌ. سحرٌ. وسرّ. من انتزع من هذه النفس هذا الستر. 
حرّك خطرته وطارت بعيدًا فكرته، كما طار بعيدًا طيب الخاطر.

صديقي كل ماهو ثمين لا يُقدّر بثمن. 
اشتر حرصك بنفسك قبل أن يشتريها غيرك.
 واشتر كلّ مايُشترى منك، فلحظة الغفلة قادمة
. بطّن الجدار بعد الجدار،
 بالأحراش والشجر، والخوف والحذر، والخدعة بعد الخدعة، 
حتى يدركك الانتباه قبل أن يدركوك.

ثم افتح نافذتك بعد هذا كلّه إلى ذاك الذي لا تنفع معه كل الجدر والأسورة والمحابس والبيبان، فهو الغطاء والستر، وله الولاية دون سواه، حارس الحقيقة عن نفسه التي أصل إليها قبله فأتباطأ كرمًا واحترامًا ومنّة.

صلاة الخطر

أعظم مرادات العشاق هو خزن الأسرار وأنّ ذلك من فعل الأحرار. *

:A mirror to be rightly-adjusted
you cannot kill somebody you love
they alone can
.and only in your eyes

أعدد أعيادًا كثيرة لم أرك فيها ولا مرة رغم أنك تنضحين وتنضجين في فؤادي بكل هذه الكثرة ، ولا أدري أهذا جزاء العشرة أم أقدار ربّ الحمرة والخضرة، ولا يهم ما إذا كان التفسير صائبًا فمنذ أزمنة كفرت بالعقل خارج أحوال تدبير العيش والبقاء، لنرفع الأنخاب ونحتفل بهذا الفصل من الجنون متفرقين معًا، حقيقةً أو خيالًا، أجاجًا أو زلالًا، مجونًا أو حياءً، فيارب الأضداد والمثنيات، احكم بأمنك وأسعد بفسحك ورخائك، واجمع شتات شمل المحبين، فقد أمّنا وكبّرنا للخطر صلاة وأنت ربّ النجاة في كل مرة.

خذني بيدٍ رأت وجه الخوف وعينٍ لمست زرقة الوحشة وغطاءٍ على الوجنتين أحمر وسماع يحتار بين الرجز والمجاز وساعدٍ يهدي إلى الإيقاع وارقص على أحزانك الوثيرة ورأسك المتعب واجمع حكمة السنين من الفراق والمآسي، لأعرف كم أنت اليوم أجمل ومالذي تغيّر منذ نوڤمبر الماضي.

إنني كلّما فكرت عثرت ونفضت عني الحرص؛ لأتذكر تلك العثرة التي عثرتها ولم أنفض عني غبار الأرضية.

يلومني غزالي على سرحاني في عوالمي ولا يعلم أنه يلوح لي بين كل فكرة وفكرة وأنني أصطاده لأبتدر اليوم واصطاده لأقابل وجه الحياة بابتسامته واصطاده لأنعم بالتوازن واصطاده لأنهيه ولا ينتهي فيصطادني في أحلامي. وهكذا مراتع الغزلان في عيون العزلة والأمان.

الخوف فصلٌ تحتار عين الخريف في تسويغه فتهبّ صفراء تمرض العيون وتنشف الشفاه وتضرم الحمى في الخدود، فإن أقبل بهوائه فامرض قليلًا ثم استيقظ مرةً واحدة، كذاك يفعل الجميل حين يلمسك بيده الباردة، وعليك وعلى القلب ألّا يحترس إلا قليلا.

.