
الآن :
فاقت أشواقي الأشواق , وصلت لحدود الاحتراق , أول ما يضطرم فيّ قلبي , آخر ما يحترق فيّ عيني , ما أعظم عذاب من يحبك , تجمعين كل الشجر الأخضر الموجود في الكون وتنتقين بعناية زيته لكي تسكبيه على روحي الهائمة العائمة في محيطك وتتفنين بإشعال الكبريت تأخذين أول عود ثقاب فترمينه لأنه لم يعجبك شكله , تأخذين الآخر تتفنين في إشعاله فترمقيني بنظرة خبث فتطفئينه بفمك بحركة تظنين أنها ظريفة وأظن أنها مرعبة , حين هممتِ بإخراج الثالث أظنك مللتِ من اللعب معي فرميتني بالعلبة وأنا أرتجف وتركتني بين حطام روحي وجسدي المبلل بكل مواد الأرض القابلة للاشتعال وتركتني عرضة للاشتعال بعد ما هيأتيني له ! .
بعد سنة :
أبعثر أوراقي بمنتهى الفوضوية كي أرتبها بعد ذلك ورقة ورقة بالترتيب المتقن , بالتفصيل الممل , أحملق في نصوصي التي كتبتها لك كثيراً , أمتلك ثروة من العبارات الباذخة المستسقاة من بريق عينيك , أمتلك ثورة من المشاعر تنتظر إذن الانقلاب على جميع أعراف عقلي , أمتلك مقتنيات أثرية اكتسبتها من ذكرياتي معك في أيامٍ خلت , مضت بكل مافيها من أعمار , أسرار , أفكار , وبقي لدي نسخة مصورة من صك ملكية أحفظه في خزنة قلبي بأنك تملكين كل مافيه أصبحت باهتة بعد سنين من الجفاف , تكاد تتكسر من اليبوسة , في كل يوم أتفقدها وأتمنى يوماً ما أن أجد النسخة الأصلية من الصك , أتمنى أن أجدك مكانها .
بعد سنتين :
أفتعل صمتاً يميتني , أفتعل سكوناً لا أتقنه , أتصنع حكمة لا يمتلكها مثلي , أختلق ذكاءً في كل لحظة غباء اقترفتها جوارحي , أحاول أن أواسي نفسي بأني سأصل إليك , بأني سأمتلك جسدك يوماً ما , كما امتلكت قلبك , نعم أريد أن أمتلك جسدك , أريد أن أتمكن من صورة روحك التي تعني المادة في هذا الكون واسألها , ألا يكفي روحاً أحبها , لكي تمتلكي أعظم عينين ؟ , لكي تنسابي من بين أصابعي بكل ليونة ؟ , لكي أجد في وجهك أجمل منظر لم يره أحد غيري قط ؟ , لا أظن أحداً يعرف كيف يراك مثلي , أنا الوحيد في هذه المعمورة الذي أستطيع أن أراك كما تستحقين , أنا المعتوه الوحيد الذي اكتشف كنزاً فأتى البشر إليه ليرهنوه بثمن مؤجل , قالوا أن نصيبك من هذا الكنز هو الصبر , و إن صبرت بما فيه الكفاية فهو لك مع الصبر ! , كنت تحت تأثير الحمق يا حبيبتي فاعذريني , مازلت أبحث عن طريقي إليك لا تيأسي .
بعد خمس سنوات :
أتذكر أول خصلة بيضاء تداعب شعر رأسي في مقدمته , لا أدري كيف كنت مسالماً معها إلى هذا الحد ولم أخف منها أبداً , كل هذا كان بسببك تفردها يذكرني بك , أحياناً أتوهم بأني مجنون فحتى النملة يا حبيبتي التي تمشي على الأرض تذكرني بك , بيتي , سريري , وسادتي , محفظتي , عطري , أصدقائي , الجو , الأرض , النوم , الكتاب , الأدب , الشعر , أنا , كل من هؤلاء يمتلك صفة مشتركة معك , أصبح هاجسي أن أعرف كيف ترتبطين أنتِ بهذا الكون لأني أظن بل متيقن أنك لست منه , أنتِ من عالم يُقال له عالم الجمال , عالم الكمال , عالم الفتنة , عالم من يستطيع أن يعذبني أنا وحدي , عالم تمتلكينه كله أنتِ , يقولون هم أنك ستتزوجين قريباً بعد هذا العمر وأشك أنك ستتركيني أرجوك ياكنزي انتظريني بقي لي مسار واحد لابد أنك فيه , فقط مسافة الطريق .
بعد عشر سنوات :
هذه المرة رسالتي ستكون لي فقط لأن أسلي بها ذاتي , لن أرسلها مع البحر ككل مرة لكي تصلك أينما كنتِ , أخاف أن يراها زوجك فيقسوعليك بسبب مجنون عرفته في يومٍ ما وانتهى الأمر ! , نعم في يومٍ ما أليس اليوم في عالمك ذاك بـ عشر سنوات ؟ , يقولون أنك تزوجتِ وأنجبتِ , وأنا لا أصدق مايقولون , هم لا يعرفون أنك ستكونين لي وحدي فقط , حتى وإن تزوجتِ حقاً فزوجك لن يكون رجلاً سيصبح زوجك مثل زوجتي , ألم أعرفك على زوجتي ؟ , إنها المدعوة ” أرق ” , أصبحت تلازمني كثيراً مؤخراً , تزوجتها رغماً عني بالضبط كما تزوجتِ أنتِ , وأُجبرت على قربها في كل ليلة , أضاجعها ليلاً , وتختفي نهاراً بعيداً عن الأنظار وهي تتوعدني بليلة مثيرة في الغد , لم أحبها أقسم لك بهذا لكني تعودت عليها أصبح بيننا علاقة يُقال لها علاقة شقفة ورحمة , لم أنجب منها أولاداً كثر , اللهم ولد يقال له ” تعب ” وأنثى لا تهدأ ولا تكل أسميتها ” لا مبالاة ” , وأتمنى ألا ننجب غيرهما , أخبريني عن أولادك ؟
بعد عشرين سنة :
الأربعين متعبة يا صغيرتي [ مازلت أسميك صغيرتي حتى وإن أتممتِ السادسة والثلاثين ] , كانوا يقولون أنها سن التصالح مع النفس , سن تصحيح الأخطاء , سن كمال العقل والنضج والحكمة , مازالت أشواقي تتأجج , مازالت أنفاسي تتبعثر كلما سمعت حرفك الأول , فكيف بمن يتسمون باسمك ؟ , متعب أن تمتلك سراً لا يكاد يفارقك يعصرك ويسقيك من عصارتك يتملكك يرميك فيحملك يتسحوذ على كل تفكيرك , سري هذا من أنا متأكد أنه جنيّ يتلبس كل يوم بصورة جديدة بهوية جديدة وفي كل مرة يصيبني بذات الجرح لا أكاد أتعظ , لم أعد أصلح لشيء , كنت أمني النفس أنني ربما لو صبرت لظفرت بغيرك , لكن نصيبي من الدنيا أظن أنه لا شيء , أثق أن الله سيعوضني خيراً يوم ألقاه , وهذا كل ماتبقى لي من عزاء أؤمن به تارة و ينسيني إياه الشيطان تارة أخرى , حديث الأربعين يا صغيرتي حديث يحوفه الموت من كل اتجاه وكأننا نبدأ بالتوريث من الأربعين , نوزع أملاكنا , حكمنا , نصائحنا , نحاول أن نصلح أخطاءنا , نجتمع بكنوزنا التي أضعناها ! ولم أحصل على كنزي حتى الآن .
بعد ثلاثين سنة :
هذا عمرٌ طويل لأعيشه بدونك , أظنني سأموت قبل هذا إن لم تكونِ لي , تأكدي أنّي مت بحرارة حب تعدل بل تفوق حرارة اللقاء الأول , متّ ولم يشفى غليلي منك , متّ ولم أجد كنزي بعد .