لو كان هاجسًا ما رأيت سواه ولكنه حالٌ حالَ مع تحوّل الحول. الذنب حملٌ تعلّمتُ طرحه من طائري الذهبي، بالصفة والعمل، لو كان لي يدٌ في الرؤيا ما رأيت، ولو كان تأويلها يغني لأوّلت وولولت:
مرحبًا أيها الطير الذهبي ادخلْ بلطف
انهمكْ في العمل، وادخل كالنار مسرعًا
واحرق من الحرارة كلّ ما ياتي أمامك
وأطبق عين الروح إطباقًا تامًّا عن الخلق
فإذا صرتَ في أمر الحقّ طيرًا كاملًا
فلن تبقى أنت، وسيبقى الحقّ، والسلامْ.*
كان الطائر الغريب بقوائمه الخضراء ملقى على الكرسى ذو القوائم الحديدية فوق مسندة حمراء في وسط الغرفة المهجورة أول مدخل القصر ولم يبد هذا الطير أي اهتمام بقدومهم ولا خوفًا من وقوفهم أمامه، اقترب منه أوسطهم بحذر أثار حفيظة من معه:
لمَ يبدو عليك الإجلال لطائر لا يكاد يقوى على الحراك، لسنا هنا من أجله بل من أجل ما في القصر.
قال: هي أنثى وليست مجرد طائر، ألا تحس بخفقانها يسابق خطواتنا إيقاعًا؟ وأنثى الطير هذه ككل إناث الطيور تختار من يقترب منها كائنًا من كان وشرط الاقتراب أن تكون مليحًا ومصداق ملاحتك أن تقول مليحة فإن أعجبتها سمحت لك بلمسها وإن لم تعجبها هاجمتك فإما أن تموت أو تموت.
وكأنّه أُخذ بحادثة قديمة أو رؤيا رآها حين ابتدرهم غائبًا عمّن حوله: نحن هنا من أجل المال وحيثما وُجد الطير في مكان ما وجدت القدرة والحكمة والمال ووجودها علامة على هذا، يبدو أنكم لم تسمعوا بمفارقة خوف السمّان و الثراء الفاحش، صمتٌ في الغرفة المهجورة حتى الأنثى اعتدل خفقانها حين أحست بهدوئهم، فاستطرد:
أيها القُمْري الذي قد جاء محبًّا وموافقًا
والذي قد ذهب مسرورًا وعاد ضجْرًا
إنّك ضجر من أنّك قد بقيت في الدماء
وبقيت في مضيق حبس ذي النون
الأسطورة تقول أنّ “خفقان السمّان علامة على وجود الأثرياء” ، حين يكون الخوف مُعدٍ تلتهب قوانص السمّان من شدّة الخفق فلا تستطيع مغادرة المكان، فهي آتية تبحث عن الأرز من حاجة، عالقة في حقل الوجيه حيث الصيد للترف، فيعديها هذا الترف، فتضع بيضها دون حمل، وتضع أحمالها دون أمن، فتموت قبل أن تموت، يغريها ترف خوفها، تعيش بين الترف والحاجة ترفرف وتحوم في دوامة تنتهي غالبًا بموتها، حين يرعبها صهير الحديد فتعرف أنها مشتهاة، فتشتهي.
مرحبًا أيتها الفاخنة، اشرعي في التغريد
حتى تنشر الجوهرَ عليك السماوات السبع
ولأنّ طوق الوفاء في رقبتك
تُشينك الخيـانة.*
لم يحرك الطير ساكنًا لم يفهم من القصة سوى أنهم أتوا من أجل المال فمال عنهم وغط في نوم عميق، أو ربما موت.
مرحبًا ياعندليبَ بستان العشق
طرّب بلطف من ألم العشق وجواه
نُحْ بلطف من ألم القلب نواحَ داوود
حتى يفدوك في كل لحظة بمئة روح.*
ينبغي للعشق رجلٌ كاملٌ مجرّب
ينبغي للعشق أناس أحرار
ولست أنت بكاملٍ مجرّب، ولا عاشق
إنك ميّت؛ فكيف تليق بالعشق؟
ينبغي في هذا الطريق مئة ألف رجل نيّر الضمير
حتى يضحّي في كل لحظة بمئة روح.*
*منطق الطير