آخر ماكتبت: العنوان

قطعتي: قطّعني الشوق ووجدت شيئًا غريبًا. وجدت أنّ الأيام هي الحياة مقطّعة، كيف نستطيع مضغها؟، ولم تسغ لي أبدًا إلا كاملة، حتى مايسمونه لحظات لا أعترف بها، لم أحفل يومًا بمعنى أن تكون الحياة مجرد لحظات، كنت ومازلت محترمًا كل المآسي والجروح والساعات لكني لا أسميها بأساميها، أعتبر كل هذا حياة، حياة واحدة لا تتثنى ولا تنثني، ففي كل مرة حاولت تسهيلها تسييرها تبسيطها أقع في مأزق القداسة، العظمة، الشعور، وأنكفئ راجلًا وممسكًا كبدي خشية الكفر.

الليلة كانت كل الليالي، والقمر كان كل الأقمار الباهرة التي انتظرتك بها، العمر كله أنا، الشباب لم يكن شبابًا لأن الطفولة لم تكن طفولة، كنت أكتب لك قلبي كاملًا وجسورًا، كما ارتحت، وسأظل أكتب حتى وإن لم تعودي تقرأين كل ماكتبت، ولقد كتبت كثيرًا من الكلام الذي لا معنى له سوى الصراخ والاعتراض والتلكؤ عن المضي بعيدًا عن وحدة الحياة.

التفلسف في المعاني كانت محاولتي البريئة والعنيدة لصفّ طريقة فريدة عن معنى الحياة، ورصف كل الأشياء التي رأيتها متفرقة في قطعة واحدة، كنت أرفض أن أنثني للصواعق حتى أكتب عنها بعد أن تهدأ، وهل تصدقيني إن قلت لك إنني أريت قبل أن أرى ؟ وياترى هل تعرفين عدد المرات التي خاطبتك بها من قلبي، لم تكن كلمات بل كانت دغدغات، موسيقى، وكثير من الأنفة والفرح بأنّك تعيشين معي وبمعيتي وفي عصري ومكاني، ولكنها الحكمة الإلهية الباهرة التي تقف وراء مايسمونه الظروف، تُخفي لنا مالم نره بعد، ولست متفائلًا بفطرتي ولم أكن يومًا متفائلًا بشأن الحياة أبدًا، بل إنني لا أعرف معنى التفاؤل، بل كنت أتقبلها وأعايشها بكمالها، بصيرورتها كشيء واحد يعجبني أن أشعر به.

خشيتي كانت دومًا من موت الشعور وموت القلب، لا أستطيع إسعاف قلب ميت، أو قلب لم يعد يميزه حبيبه، كل الأمراض والأدواء أعتبر أنها محاولة لإنعاش قلب ما فقد شعوره، ولهذا ربما أجد نفسي مريضًا ، بقلب يفقد بوصلته كل مرة أعرف أنني أشعر، أعرف أنني أكبر، هذا الجسد يكبر، هذا العقل يذهل، لكن روحي لا تشيخ ولم تكن يومًا فتية، بل هي قديمة ، وقريبة، وسقيمة، ورواح الروح لا بالهوى يكون بل بتفنيده.

إني أفنّد كلّ ما أرى حتى يعود لهيئته أو يتماسك حفاظًا على هويته، والناس أجناس يتصابون مرة ويتعامون مرة ويؤذون مرات، إني أعرف كيف تمرّ الحياة على أحدهم حتى تهوله، فيقسمها بالسنوات والأشهر والأيام والأقمار كي يهضمها، لم أكتشف هذه الخدعة إلا مؤخرًا. وكانت مزحة ثقيلة على كبر تلقيتها ولم أضحك. هذا المكان مليء بالتافهين الذين يستبسطون كل شيء حتى فوات الحياة. وأنا كل ليلة أتحسر على كل لحظة بلا قلب، وبلا ذكرى، اضطررت إليها عدوًا وظلمًا، ويابعد ظلمي وجهلي.

ألازلت تصدقين كم كان هذا الأمر غضًّا بريئًا في عيني، وكيف أكل من يقيني شكك، وثرت مرّات وعاكست مرّات وسلّمت مرات ولم أجد من بقية لهذا اليقين، إنني محرج من كل شعور اصطنعته، وتمضي حياة المرء في زمن لم يعد لكثرة أو قلّة أن تحرّك شعور أحدهم، أضطر مُكرهًا للتخفف والتقلل من كل شيء، كي أعود فأشعر. كنت قد قطعت منذ أزمان أن يفهمني أحدهم، أن يفهم محاولاتي ومآربها، ووجدتك تفهميني بحبي لا بعقلي ولا بنيتي، لكنك أصبحت مثل الآخرين يتحرجون من الاقتراب لأنهم لم يعودوا يعرفون من يخاطبون.

في زمن مضى كنت أكتب دون تنقيح والآن أحاول أن أصف شيئًا واحدًا دون تحسين فأفشل، أكره الندم ولكن لا يخيفني، وأحب خيبات الأمل لكنها ترعبني، أخاف من أن يخيب أمل، وبتّ أتحرز مثلي مثل كل حريص كنت أعاتبه يومًا، لم أكن حريصًا في حياتي، وتماديت في التهور مرات ومرات، عجيب كيف يكون المرء من يكره لمجرد أنه عاشره مدة، وكيف هو رقيق عقل المرء وكم يتطرّى قلبه حتى يهرب منه ويتقلب ألف متقلب دون أن يحصي صاحبه مكانه، فكلها غمضة أو غمضتين حتى يبرق في مكان ما وعليه أن يظل يلاحقه.

لم يكن يومًا حديد ولن يكون، بل هو رحّال مسافر غريب ومتغرّب فريد من نوعه وعاصٍ بطريقة وحشية، أتراني أكتبك أو أتجنبك، عجيب كيف تتعرى الفاكهة من قشرتها فيطيب مذاقها أو يتعكر حسب الفم الذي يقضمها، ربما الأسرار التي أخبؤها وتغيب عني تقهقه في قاعٍ ما الآن، لكنها ستأتي وحين تأتي سوف تجدني مازلت قابضًا على حياتي كاملة دون تقسيم، ومستعدًا لأقول أو لأصمت لكني لا أنسى ولا أنام عن معنى عصرني وتيه قلبي.

إليك السلام.

أخبرني عن رأيك ..

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s