عمّموا ظنّي في كلّ الأرجاء، صدّقوا خيالي كي لا أجعلكم خيالًا، سيكون مخيفًا أن تهملوا خيالكم الحرّ في البداية، لكنه لن يكون أكثر وحشية من أن تخسروا حيواتكم وتحيون في منامات أحبابكم، أو تخسروا حرّيتكم و تحيون في مناماتكم الطلقة داخل زنازيني.
لكننا إن أهملنا خيالنا الحرّ وصدقنا خيالك وحدك ستكون تلك زنزانتنا الكبيرة يحكمها وهمك وظنّك، ربما لو بذلت جهدًا أكبرَ في فهم خيالك وتفنيده لأقنعتنا به وجنبتنا فتنة التخلّي عن حياة الحلم أو حياة الواقع.
لا تهمل خيالك يا حليم ولا تصدّقه وكن بين هذا وذاك كمحلحل الحديد من محبسه ومخلخل الحبّ في مشبكه، إن تصفية الحقيقة من أوهام المتسلطين مهمّة الأنبياء والصالحين، كيف يكون على المرء وزرٌ إن أراد أن يعرف ماهو صائب ولا يكون عليه وزر إن أراد أن يعرف ماهو نافع ؟
وبين النافع والصائب تمتحن كل النوايا مابين راغب في ثمرة عاجلة ويدّخر توبة عمّا يظنّ أنه خاطئ، وبين صابرٍ عنها ظانّا أنها إن ذهبت عنه لن يُمتحن بما هو أكثر إغراءٍ منها. وحسب التوبة أن تكون ديدن ولا تكون غاية وحسب المرء أن يعرف أن الذنب ليس جنحة بل أن الذنب هو الإصرار على الجهل والجهل ليس أصلًا في المرء بل إنما هو طارئ النسيان إذا دانت الرغبة، وكيف يجهل من تعلّم في ذاكرته كل الأسماء، وكيف يجهل من أُخذت ذرّا من ظهر أبيه الأوّل شهادته، وكيف يجهل من كان له رابطة متصّلة بضرورة الخلق وضرورة الحفظ وضرورة الوجود.
لا تهمل خيالك يا سقيم فاليوم تُؤتى من مكامن رغبتك وغدًا تؤتى من مكامن رغبات الآخرين من حولك، لا تهمل خيالك فهو شجاعتك فسوف يأتي عام لا يبقى على الأرض طوّاف ولا مخيال سوى الرواية السائدة أو التطهير بحجّة الصلاحية والإنتاجية، ليتحول الناس من بُؤر للإله إلى مسوخ للطاغوت.
وبين المفيد للفرد والسائغ للجماعة يُمتحن الإيمان من النفاق ، كيف يستخلص المرء نفسه من براثن الهوية المحدودة إلى براح الهوية المطلقة دون أن يكون ضارًّا على دائرته الخاصة، كيف يكون المرء شعلة لا قنبلة، وكيف يقنع بها من حوله حين يشتعل أن ذلك لإضائتهم لا لحرقهم، إن السائغ هو الوعاء الذي يحلل لك ماكان حرامًا لو فعلته بشكلٍ لا يليق، وإن الجماعة من كثرتهم مصابون بعشى الشكل أكثر من المقصد، والفرد مصابٌ وحده بشدّة البصيرة لكن بما يخص شأنه وحده. والناس امتحان القلب الرؤوف وامتحان العقل السليط وامتحان الرحمة الرحمانية.
لا تهمل خيالك ياعليم فإنّ الخيّر وحده من يسمع والبقية مؤدّون، والسماع على قدر فهم المنادى، والوحي قدرتك على التخلّص من خيالات نفسك وقرينك وخيالات الناس من حولك إلى ماهو أعظم منها وأسلم لك وللناس، ومن يطلب الخيرية ينلها ولو على رأس جبل أو في بطن غار، ألا إن لا أحدًا ينال الخيرية إلا من اعتزل في رأس جبل أو في بطن غار، وتبقى شجاعة التبليغ وصعوبة الترجمة وحنو القلب على الأصم والأعمى.
لا تهمله ولا تتسرع في تصديقه فإن الأماني مدخولة والوهم مشروك والروح مزار وعليك بالصبر في تحمّل جنونه وتحمّل نفخه ومجونه وتحمّل حّدته عند شدة يقينه، واحرص على ألا تفقأ الحاوي قبل أن تنال ما أردت نيله فإن الستر إن زال لا يعود أحدٌ يسمعك ولا تعود أنت إن رأيت مكانك الأبدي كي تحسّنه.