الشتاء الذي أقبل يسفع النواصي بالحنين، لا يحب الصمت ويمجّد البكاء
لقد تخطيت الإشارة لأستعيض عن الدال بالمدلول، ولأهرب من كل ما ينبغي إلى كل ما ينبغي له أن يكون.
القلوب أوعية وأنا الآن أقف على عتبة سور حديقتكم أمشطها تارة وأمشط قلبي تارة أخرى.
الصيد بالسنارة وارد لو كانت الأفخاخ مشتهيات، ماذا لو كنت أنت المتدلي من على حبل وتريد أن تنقذ ذاتك؟، الجمل القصيرة بليغة في إيصال المعنى بطرق غير معتادة، لكني أريد أن أعقّد المتاهة ولا أريد لهذا الطريق أن ينتهي، فإن نهايته تخافني وأنا أخاف من المجهول، ولهذا أسعى إليه فضولًا وحريّة.
أسمع كل الأصوات من كل غرفة قصيّة ولا يعجبني كم أصبح الأمر نمطيًا ومكشوفا، لكنّ هذا هين عند من لا يريد لك إلا أن تسمع صوته ويصرخ بأعلى صوته حتى تجرحت حنجرته، والأذن المرهفة قد صُمّت عن الصراخ لو كان يعلم.
في السماء على علوٍ مرئي، غيمة يعبر من تحتها طيرٌ شريد، أحبه لأنه يأبى أن يحصر نفسه في غرفة أو قفص، ولو قُدّر له أن يراني لوجد أن تلويحتي جناحي ورئتيّ سمائي، وعقلي حدودي وروحي آفاقي.
ولقد وجدت بعد طول مراس وكثرة احتراس أنّ الحدود ليست أمرًا سيئًا إلى هذا الحد عندما يكون الحد مدى عينين ليس لهما أمد، قد حُيّزتا لي منذ الأزل، والمعنى الموغل في الشعور لا سلطان عليه بل هو المتسلط على كل شيء.
الآلام بوابات لأماكن لا نريد زيارتها، وقد دخلت بيوت الناس حتى لم أعد أعرف أين بيتي.
واسمعني أيها السادر في ظلمات لا تجد من يعربك، ولقد جرّحك طول عجمتك وسقوط همتك، عليك بالدخول إلى أعمق نقطة، تلك التي تجد بعدها أنّ الخطّ الفاصل بين العقل والجنون هو خط وهمي من الخارج، وأنّ كل مابداخلك معقول وكل ماتريد فعله صواب وكل ما تكتمه يكتم على أنفاسك حتى تطلقه فتستريح، وإن الهرب إلى الداخل هربٌ إلى البراح، وإن كان أمر يجب أن تستعجل به قبل فوات الأوان، فهو أن تسترد ذاتك قبل أن تصل إلى مكان تصبح الكرة في ملعب ذوات الآخرين، عندها سوف تستحلي حتى أن تُركل. لا بأس بأن تكون كرة إن أردت أن تكون كذلك، ولا تمتعض عندها.
ثمّة أفراح صامتة بجمود العين التي تخشى أن تفصح للقدر عن فرحتها لئلا يدهمها بالنقيض العادل.
ثمّة دماء غير مرئية، فالويل لمن يرى بعينيه وحدهما، الويل لمن لا يحترس من المشي على الركام، الجمر لا يزال حارقًا دون نار، وثمة أنوارًا في ليلٍ شديد العتمة، في صوت من تحب، وفي كل مايفاجئك كقبلة كهدية غير متوقعة من لا أحد.
لا أريد أن أمهّد لمنطقة وسطى، لفهم مشترك، لمصطلحات موحدة، أنا سعيد بهذه المسافة وسعيد لأن السعادة عادة تكون في الخارج لاهية تلهب قلوب الحزانى، لكنها الآن قانعة بي وتستلطفني، وأنا لازلت أقاوم أن أترامى في أحضانها لأنني قد أبرمت موعدًا قديمًا وأبديًا مع الألم والأسى والتأسّي.
ويكفي أن أشعل طرف الفتيل. ثمّة نيران تستعر في القلب المريض لكن الفتيل ناره لمصباحي ونيرانهم من أنفسهم. والقبض بالرباعية على الشفة السفلى هو الجمرة التي تدفئ ليلي الشاتي.