تبدو السعادة سمة الغافل بينما الوصف الأمثل لحالته هي البلاهة أو التفاهة أو ربما الالتهاء، والقرآن-الكتاب الكامل في انتقاء الألفاظ التي تناسب الحال- لم ينعت بالسعادة إلا الذين علموا مصيرهم، وماقبل ذلك إما لعب أو لهو أو تفكّه.
السعادة لا تأت إلا بعد المعرفة والمعرفة دائمًا مصحوبة بالألم، والألم على قدر الروح، ولا يجتمع الألم والسعادة إلا في لحظات نادرة في الحياة تساوي كل الحياة، فهما لا يجتمعان أبدًا إلا مع معرفة وعبر لحظة تجلٍّ وانكشاف لحظة نجد فيها لأنفسنا معنى وغاية وجودية.
سيدهمه الألم أولًا وستسعده التفاهة هروبًا منه وسيمضي حياته محاولًا تقزيم الألم بالهرع نحو التفاهة والبلاهة، لكن ضميره يعلم بفداحة خطئه ويعيده للطريق الصحيح نحو لحظة المعرفة المؤلمة المتبوعة بالسعادة الفعلية.
أغلبنا يخدر ضميره لاهثًا خلف التفاهة معتقدًا أن فيها السعادة هاربًا من الألم ظانًّا أنه مناط كل سوء وحسرة، محاربًا إياه بضراوة، ولا يعلم أنه بهذا يحارب أسعد لحظات حياته وهو أن يشعر بهما معًا في سنحة انكشاف.
الغارقون في الذكريات، الحالمون دائمًا هم الذي تبدت لهم في حياتهم لحظات انكشاف وأصبحوا بعدها أسيرين لعودتها متلهفين ومترصدين لمكامن وقوعها على كل المفارق وتحت كل السراديب.
خطأ شائع يتكرر عند حدوث لحظة انكشاف وهو اعتقاد أنها مستبقاة ومستدامة إذا ثبتت الظروف، فيلتزمون بواجبات ويثقلون كاهلهم بوعود، ويموتون حسرة في انتظار مافات ولن يعود.
ارتبطت عندي الكتابة عند لحظة مثل هذه فيها ألم وفيها معرفة و من ثم سعادة تدهم عند ترجمة الشعور إلى معنى، دائمًا أحاول قبض أكبر قدر من البهاء والسحر واللذة في لحظة تجلي، لكن الترجمة تٌفقد جلّ الشعور وهذه معضلة اللغة وضريبة النقل.
يموت الإنسان ولا يجد طريقة مضمونة لذلك الشعور، ولكنه وهو يكبر يتعلم أن تركيبة الظروف المشابهة أدت إلى لحظة تجلي، وإن احتمالية هذا الشعور أكبر في مكان ما وفي وقت ما ومع أحدهم،وهو يحاول ما استطاع ما حيا بعث لحظة مثل هذه ومن ثم استنطاقها.
ما تكتبه مميز شاركنا بشكل مستمر نحن بالانتظار دائماً 🌹