لدي شغفٌ قديم بالشخصيات وكيفية تشكلها وكيف تخدع نفسها، كيف تخدّر آلامها وكيف تحاول أن تملأ خواء الجزء الناقص منها بكمية زائدة مما تجيده أو تمتلكه؛ فتنعكس الأمور من محاولة سد ثغره إلى نداءٍ متهورٍ يلفت الانتباه ويدعو إلى الشفقة.
كل الذين راقبت تصرفاتهم – ولا أبرّئ نفسي – يربط بينهم رابط مشترك يكاد يوحّد الإنسانية؛ إنه الضعف الذي يتخفّى بلطفٍ تحت طبقات من ادّعاء القوة والاعتزاز بالذات، إنه الضعف الذي هزّني في أكثر المواقف رتابة وأنا أراه يتكشف في أبهى صورة في كل مرة.
هذا الضعف يبدو ويتجلّى وضوحًا في صورٍ نمطية: في تعامل الأب مع ابنته مثلًا عندما لا يعرف كيف يتواصل معها فيسرف في الحرص عليها والتضييق من باب الخوف، أو في خوف الأم على ابنها حين تكاد تطمس شخصيته صغيرًا في سبيل حمايته، أو في انكسار الحبيب أمام حبيبه عندما تتساوى أمامه الأقدار فيختار أكثر الخيارات حماقة رغم حدّة تفكيره، ورغم ذلك لقد رأيت حالاتٍ أخرى أكثر تخفّيًا واستتارًا تكاد تبكيني لولا تجلدّي لم يكن قط ليخطر على بالي أنّي أمتلئ شفقة من جرّائها.
أنا حتى لا أستطيع الجزم بتسميته ضعفًا، يكاد يناسبه المصطلح الذي اشتهر به كونديرا ” الخفّة ” أو ربما تكون الرقّة أو الحساسية أنسب من الضعف لوصفه؛ لكني أعرف تمام المعرفة أن الإنسان يفقد إنسانيته بدونه ويتحول إلى مسخ.
أمرّ في حياتي على بعض هذه المواقف وأتخيل أحيانًا بعضها وسأحاول أن أخلق حالة تحاكي هذا الجانب الذي استلذّ به – رغم مأساويته -حول الشخصيات والأنماط البشرية تحت القسم: ضعف الإنسان هويته.
في الحقيقة أنت مخنوق في صندوق ب140 حرف. أتمنى أقرأ لك تدوينة جديدة.