بُعثتُ لأكتب

لست منظرًا عن الفن ولا عالمًا بالنفس البشرية ولا أعرف من الأدب إلا قشورًا أحتمي بها عندما تصرعني رغبة الكتابة، إلا أن جانبًا مني يؤمن بأنه أعظم أديب وأرق فنان وأعلم من كل طبيب وحكيم بتقلبات البشر، ذلك الجزء وحده هو بشكل أو بآخر مايحركني لأن أدفع نفسي لأتعلم أكثر، لأتظاهر بأني أعلم.

أفتقد تواضع الطالب المجد لكني لا أنفك أتصنعه كل ما احتجت إليه، أنا مخلوق جاحد لنعم كثيرة، وذات نُفخت فيها روحًا وظنّت نفسها تملأ العالم.
بشريتي تخيفني كلمّا رأيت الآخرين وتريحني كلما اختليت بنفسي، أستطيع أن أسامح نفسي إذا أخطأت بحقها في خلوتي، لكني أشد من يعنفها إذا كان الخطأ أمام الملأ، لهذا فضّلت أن أضع حاجزًا بيني وبين الآخرين  كي أرتاح من ثقل مسؤولية أن أكون قدوة لهم – بالرغم من أن أحدًا منهم لم يصرح لي بذلك أو حتى يلمح به تلميحًا- أما فكرة أن أكون أبًا فهي هاجسي الذي يرعبني عندما يأتي فعلًا من يعتبرني قدوة له.

أعتقد أن آلام البشر من ظنونهم تنشأ لا من واقعهم، وأكبر كوارثهم هي أنهم على أنفسهم يكذبون أكثر من أي أحد.

إنّ أول مادفعني بشدة للكتابة في المقام الأول رغم اعترافي بأني لا أكتب إلا الترّهات -وهذا أيضًا من قبيل التواضع المصطنع لأن جزءًا مني يرى أني أعظم من كتب- هو أنني أفقد ممانعتي للكذب على نفسي لحظة الكتابة وأعريها بصدق مهيب ومريب، أنا مثلًا على قائمة الخطّائين الدائمين في سجل الذنوب وأفقد قدرتي على التحكم بحياتي ومسارها كثيرًا بسبب من أحب وما أحب، وأميل إلى الغيرة من كل جميل لم أكن سببًا في جماله، وأفتقد طفولتي و بداياتي في الحياة وأحن إلى دهشتي التي شوهها ادّعاء الثقل والرزانة والحكمة، اسمي من الأشياء التي أثقلت كاهلي ، وأخفي من التعليقات المضحكة التي تتزاحم في رأسي الكثير خوفًا من أن لا تضحك أحدًا سواي أو أن تجرحه، وأتنازل بتخفف مخيف عن أعظم مالدي لإثبات أني مستقل عن كل أحد.

لدي عقدة من الأطباء وفي قلبي عقدة لأحدهن، ولدي خوف من الخطأ رغم أني لا أجيد سواه، وتأتيني لحظات من التجلي الإلهي أخشى بعدها من العودة للحياة إلا أني أعود لأفاتح نفسي وأفاوضها بأن الطريق إليه يبدأ من معاركة الحياة وهزيمتها بعد أن أٓخبرٓها.  لقد وهب الله لكل منّا عمرًا يتناسب مع إدراكه لجوهر الحياة حتى إذا أخذه تكون حجة الانكشاف قد ثبتت عليه، فأوائل من يموت منا هم أكثرنا عبقرية في سرعة معرفة الحياة، ولا يطول عمر أحدنا إلا لإثبات حجةٍ ما عليه، ولا يبقى بعد موت العارفين إلا الجهلاء، والأتقياء إلا الأوغاد.

أعلم يقينًا أن الله يبعث الموتى من مراقدهم ليحاسبوا، لأن الله يبعثني من مرقدي لأكتب، كتابةً تخيفني قبل أي أحد ولا انفكاك منها إلا إليها، هذه قصتي مع الكتابة: فضيحة أداريها عن الناس لكي أكتبها إليهم، ورسالة بُعثت بها حجةً لي على نفسي، ودواءً أستطب به من ضياعي وغفلتي، وحاجةً في نفسي قضاها ربي رغم أني ذو جهل لا علم.

فكرة واحدة على ”بُعثتُ لأكتب

أخبرني عن رأيك ..

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s