اللذة الكامنة في التخفّف من البشر

من وجهة نظر عدمية:
أنت لا تحتاج عددًا من البشر كي يهونوا عليك حتمية موتك المنتظر ولا بؤس حياتك الرتيبة، لأنهما واقع لا مهرب منه.

ومن وجهة نظر دينية:
قليلون جدًا هم البشر الذين يساعدونك في الدنيا للحد الذي لا يستحق فيه المجازفة بإعطاء أحد ما أكثر مما يستحق، ويكاد ينعدم نفعهم في الآخرة، يكفيك من ذلك خيبة الحقيقة في أن يهرب المرء من أقرب الناس إليه.

ومن وجهة نظر ذوقية:
لا شيء يعجبني، أنا المليء بالأفكار المتشككة، شديدة التوجس والحذر من الناس ومعتقداتهم -خصوصًا الواثقين منهم- ، كما أني لا أكاد أعد حسنات قليلة في مخالطة الكثير منهم بعكس استغراقي في سرد السيئات جرّاء ذلك.

ومن وجهة نظر صوفية:
يلذ لي أن أتقمص شخصية المسافر المتخفف، خفيف النفس والظل، لطيف المعشر، غير الآبه بم أخذ وعلى من تعرّف؛ لا من كثرة – لأنه سيموت قبل أن ينتفع به- ، ولا لأهمية – لأن معه كل مايهمه -، عقله الذي يفكر به، وجسده الذي يحمله، وقليلٌ من مال يكفي حاجته ويسدّ مسألته للناس.

ومن وجهة نظر تصويرية:
لطالما شعرت بشعور الغريب الذي لاينتمي إلى هنا، كالذي تواطأ الناس على حضور مأدبة من دونه، وصُعقوا عندما وجدوه هناك قد سبقهم: حملقات العيون، الدهشة المغلفة بابتسامة صفراء، الاستغراب الذي أبديه، التذاكي السخيف، شعوري الطافح بالغثيان من هذا النفاق وادعاء اللباقة في تعاملهم، والتقزز من استغراقهم المخجل في الملذات وكأنهم خالدون في هذا المكان.

ومن وجهة نظر تجريدية:
لم أهتم يومًا بالأشخاص لكونهم فقط أناس، بل كان كل مايشدني إليهم وعنهم؛ هي الأفكار التي يثيرها وجودهم، و وجودهم الذي يجسّد معاني الأفكار التي أقرؤها؛ ولهذا احرص على أن أتعامل مع الحد الأدنى الكافي منهم لأداء هذا الغرض وحده.

ومن وجهة نظر شعرية:
لمّا عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ … أرحتُ نفسي من همّ العداواتِ
إنّي أُحيّي عدوي عند رؤيته … لأدفع الشرّ عنّي بالتحياتِ
وأُظْهرُ البِشْرَ للإنسانِ أُبغضهُ … كما إنْ قد حشى قلبي محبّاتِ
الناسُ داءٌ ودواءُ الناسِ قربهمُ … وفي اعتزالهمُ قطعُ الموداتِ*

* الشافعي

فكرة واحدة على ”اللذة الكامنة في التخفّف من البشر

  1. يقول Au:

    حتى تقابل من يستطيع أن يثير/تثير فيك الدهشة..
    ويكون على الأغلب شخص قضى حياته مثلك متخففاً ويعلم تفرده، وعندما تلتقيان سيسأل كل واحد منكما نفسه: هل أستحقك؟ وتنشئ استثناء للقاعدة من أجله.. وستكملان حياتكما متخففين من الناس لكن هذه المرة سوياً..

أخبرني عن رأيك ..

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s