لا تحسبوه شرًّا لكم بل هو خير

إذا أردت أن أتكلم عن أكثر السور القرآنية التي يدهشني ويخيفيني بنفس الوقت استهلالها ، لا بد أن تكون من ضمن سور المقدمة ، سورة العنكبوت .
[آلم ، أحسب الناس أن يُتركوا أن يُقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون](العنكبوت:1-2) ، الفتنة هنا لطالما أرقتني من وجهين :
الوجه الأول : أنّي من الناس وهذا يعني أنّي من المفتونين لا محالة.
الوجه الثاني : كيف تفتنني يا ألله وقد آمنت ، ومالحكمة من ذلك ؟

وباستحضار هذا المعنى في القرآن وجدت أن الفتنة والابتلاء يرتبطان بالأنبياء ارتباطًا عميقًا ، وفي سورة العنكبوت ذاتها نماذج من تلك الابتلاءات ، قصة أنبياء الله نوح وإبراهيم ولوط وموسى ، والأمثلة من مختلف سور القرآن لا تنتهي ، بل كي يكون النبي نبيًّا و قادرًا على تحمّل تكاليف الرسالة لا بدّ له من أن يُبتلى كما أخبر الله في قوله [وإذِ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمّهن قال إنّي جاعلك للناس إمامًا .. ] (البقرة:124) ، مالذي يمكن أن يضيفه الابتلاء على النفوس البشرية ؟ وماسرّ ارتباطه الوثيق بنا ؟

للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن البشري الكسول بطبعه والجهول بابتداء خلقته أن هذا الابتلاء والتعرّض للفتنة عبث كان الله قادرًا أن يغنينا عنه ، وتعالى الله عن مثل هذا علوًّا كبيرًا ، كما قال عن نفسه [وماخلقنا السماء والأرض ومابينهما لاعبين ، لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون] (الأنبياء : 16-18 ) إذًا لابدّ من حكمه إلهية نستطيع أن نتصورها كي نفهم طبيعة هذا الابتلاء وأثره على نفوس الأنبياء قبل نفوس باقي البشر.

العقل البشري بطبيعته يدرك وجوده من حوّاسه ومدركاته ، ويكتشف عالمه بهما وماينتج من تفكيره واستنباطاته العقلية بسببهما ، و الإنسان حتى يستيقن تمام اليقين لابدّ له أن يتلمس هذا بواسطة حواسّه ومدركاته مهما بلغ درجةً عليا من الإيمان والتسليم ، هذه طبيعة بشرية لا مناص منها ، وكي لا يكون في داخلي شكّ حول هذا الجبلّة الإنسانية ، حاولت أن أبحث عمّا يعضد هذا الفهم لدي فوجدت من القرآن والسنة أمثلة على هذا كقصة أبينا إبراهيم عليه السلام مع الطير [ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم](البقرة:260) ، مثال عملي على الإحياء بعد الإماتة يحدث أمامك ولأجلك هذا فقط ما سينقلك من مرتبة اليقين العلمي إلى مرتبة اليقين العيني المذكور في سورة التكاثر [ كلّا لو تعلمون علم اليقين لتروّن الجحيم ثمّ لترونها عين اليقين ..](التكاثر:5-7) ، وكما في قصة موسى عليه السلام [ ولمّا جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربه قال ربِّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني فلّما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا وخرّ موسى صعقًا فلّما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنّا أوّل المؤمنين] (الأعراف:143) إيمان موسى بعدما أفاق لا يمكن أن تقارنه قبل ذلك ، انتقل من مرتبة إلى مرتبة أعلى لأنه سيحتاج هذا العلم لعظيم ما سيُلاقي به بعد ذلك ، ومن السنة الكريمة حادثةالإسراء والمعراج فقد كان الله قادرًا على أن يفرض الصلاة بأمر مع جبريل وسيمتثل لهذا الحبيب – صلى الله عليه وسلم – إنما لهذا المعراج حكمة إلهية ترتبط بحاجة نبينا إلى مثل هذا اليقين.

إذًا هذا الافتتان لازم من لوازم الإدراك الكامل الذي تحتاجه كإنسان كي ترتفع من مرتبة دنيا إلى مرتبة أعلى منها ، وبقدر افتتانك وتعلمك للدروس الإلهية وتفكرك فيها سوف يرتفع يقينك شيئًا فشيئًا ، لقد ولّى زمن المعجزات والخوارق والآيات الصارخة ، وقد ذكر القرآن هذا أن من سبقنا لم يكن ليزيد إيمانهم بنزول الملائكة أو بشقّ الأراضي ، مايزيد الإيمان هو تقبّلك للفتنة بمعنى الابتلاء ، وطريقتك في التعامل معها والاهتداء بها إلى الله وإلى مراتب أعلى في اليقين ، وصدقني الإنسان لا يمكن أن يتعلم مثقال ذرة بدون فشل ، ولا يمكن أن يتقدم مثقال ذرة بدون اعتراف بهذا الجهل ، ولا يمكن أن يؤمن بدون هذا الابتلاء الكاشف لما وراء المحسوسات من لطف ورحمة إلهية .

فكرة واحدة على ”لا تحسبوه شرًّا لكم بل هو خير

  1. أقسم برب السماء بأنّ قلبي لانَ هُنا ..
    وأدركتُ كمْ كُنتُ غافلَه عن آياتِهْ
    وبيني وبينك في اليومٍ فقطْ بعض التساؤلاتْ تسللت إلى عقلي فرأيتُ البُرهانَ هُنا
    أحسنتْ أحسنتْ أحسنتْ
    اسعدك الباري..!

أخبرني عن رأيك ..

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s