لماذا كل هذا التكرار في قصص القرآن ؟

عندما كنت أقرأ القرآن كان السؤال الذي يتبادر إلى ذهني منذ صغري ، لماذا هذا التكرار ؟
مادام الله يعرف كل شيء ومحيطٌ بكل شيء فلماذا لم يخبرنا أكثر عن غير الرسل المذكورين في القرآن ” منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ” ، وأذكر في هذا الصدد أن قصة موسى-عليه السلام- وفرعون تكررت عشرات المرات بمشاهد مختلفة ومتشابهة ، وقصة عيسى ابن مريم عليهم السلام ، هذا السؤال كان نائمًا في داخلي لسنوات وكنت قد آمنت بأن القصور في عقلي لا شك .

وقبل أقل من أسبوع قرآت في كتاب مهزلة العقل البشري كلامًا جميلًا للدكتور علي الوردي عن هذا المعنى بالذات ، وكيف أننا كنّا نتململ من القرآن ونستمتع بكتب التاريخ والمغازي والملوك والأرقام المهولة من الجيوش وتفاصيل المعارك والمطاحن والدماء وقصص الكيد والمكر والدهاء إلى آخر ماكنا نستلذ به ، وذكر أننا كنا نقرأ القرآن بروح كتب التاريخ ، بروح أدب السلاطين والملوك ، بينما القرآن أعلى شأنًا من أن يكون كتابًا توثيقيًا وإحصائيًا .

وبعد مداولة هذه الفكرة في رأسي – مع مساعدة ماقرأت من كلام الوردي – أيقنت أن القرآن أعظم الكتب ، القرآن يُخاطب أفكار الناس لا أعيانهم ، لا يهم من صاحب القصة ولا يهم مانسبه ومالونه ، من هم أتباعه ، وكيف انتصر ، كم عددهم ، وماهي أعراقهم ، الأهم هو الدرس والعظة والعبرة ، ونوعية الفكرة بأسلوب القصة الشيق والتصوير السينمائي الإلهي – إن صح التعبير- ، من هنا تبدت لي روح جديدة لقراءة القرآن ، ليس المهم موسى أو عيسى أو إبراهيم ، المهم مافعلوه وكيف فكروا به ، وماهي الفكرة من ورائه .

يصح أن نسمي القرآن أعظم كتاب أفكار على مر العصور ، وإعجاز الله للبشر وتحدي لعقولهم ، كمية كثافة الأفكار الموجودة في هذا العدد المنتهي من الصفحات والآيات غير محدود ، وهذا وجه الإعجاز ، إلى جانب الدقة في الوصف والمعلومة ، يذهلني القرآن كثيرًا عندما يفهمه الناس كلّ من وجهة نظره ومرجعيته الخاصة – ورغم اختلاف مشاربهم – قد يصح تفسير هذا وذاك المستنبط من نفس الآية مع اختلافه.

عندما تريد أن تقرأ سورة الأنفال لا تبحث عن أحداث معركة بدر ولا قيمة النفل ولا أعداد الجيشين ومن قُتل ومن سُبي ، بل تفكر في الأفكار المرتبطة بالحدث وماقبلها ومابعدها ، كيف للمعركة أن تكون درسًا للتاريخ ، ثم تفكّر لماذا قال الرسول – عليه الصلاة والسلام – لعمر حينما أراد أن يقتل حاطب بن أبي بلتعة عندما وشى بالرسالة لأهل مكة عند الفتح .. [ وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ] ، هذا الغفران مع أنه للمكانة والصبر إلا إني أملك تفسيرًا آخر لذلك .. فعندما خاض الصحابة هذه المعركة التي امتحنت قلوبهم وتعلموا الدروس منها ، أخبر الله رسوله بعلمه السابق أنهم قد تعلموا منه فمهما فعلوا لن يستطيعوا بعد هذه العظة أن يفعلوا مايخرجهم من دائرة الغفران من كبار الذنوب ونواقض الدين وهو الأهم لأنهم تعلموا الدرس ، فمتى نتعلم دروس القرآن ؟

جرّب أن تقرأ سورة من سور القرآن وأن تبحث عن المقصد والفكرة دون رمزية الحدث وأطرافه وتفاصيله الشكلية ، وهذا النوع من القراءة يحتاج مجاهدة خصوصًا لو كنت تعيش في مجتمع كمجتمعنا يقدّس اللحية أكثر من العقل ، والثوب القصير أكثر من بعد النظر ، ولكن إنما العلم بالتعلم ، وستجد المتعة في القرآن تلك التي يتكلم عنها الراسخون في العلم – بإذن الله – .

أخبرني عن رأيك ..

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s