نرى الأشياء من حولنا عبر انعكاس الضوء إلى عيوننا ، وهذه الفكرة بحد ذاتها كفيلة لأن تجعلنا نسلّم بالحاجة الإنسانية لاستثمار ماحوله من الموارد حتّى في أبسط القرارات الفردية كالرؤية.
كان أبونا آدم وحيدًا وفي اللحظة نفسها التي احتاج فيها من يشاركه المعيشة والرأي والجدال حول الأشياء ، اختار الله له من يخالفه في الكثير مما يقرّه لنفسه ويرتضيه لها من التفكير والذوق والطبع ، صحيح أنّ حواء خُلقت من صلبه ومن ضلعه إلّا أنها مختلفة عنه ، ولله في هذا حكمة.
نعيش نحن اليوم في موجٍ متلاطم من الأذواق والمشارب والآراء والمرجعيات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ويهمني من خلال هذه التدوينة أن أتطرق للاختلافات الاجتماعية من ناحية اتخاذ الآراء .. يقول غاندي في هذا الصدد [ إنّ قطرة الماء تشارك في عظمة المحيط وبهائه وجبروته، وحتى إن لم تعِ ذلك وتشعر به ، لكن بمجرد أن تقرر الانفصال عنه، تختفي تمامًا وتضمحل] .
من ثقافتنا الشعبية المستمد أغلبها من تعاليم الإسلام نحن نرى تمرد الفرد في اتخاذ القرارات كأنانية وعصيان وصورة من صور البهيمية التي لا تأبه بغيرها وتعتبر أنها هي الوحيدة المعنية بما ينتج عنها .
ونرى هذا جليًّا في معاملاتنا ، فالإنسان في بيئتنا ومجتمعنا مُثقل بالكثير من الأعراف والأذواق التي يجب أن يرضيها كي ينال رضا الجماعة والقبيلة والأمة حتى في أصغر شؤون حياته وقراراته الفردية كالنوم أو السهر والتدخين والمواهب واختيار التخصص وحتى الزواج من الفتاة التي يختار.
وبين هذا وذاك بين الفردية الصارخة التي قد تندرج من الأنانية والموسومة بالبهيمية ، إلى طغيان الجماعة وثقافة قطيع الأغنام في اتخاذ أبسط الآراء التي لا يجب أن يُشاور فيها أحد وشرعنتها وتجريم المخالف بالعصيان وربما بالعقوق علينا أن نتبّع فعلًا تعاليم الإسلام وحرّياته التي كفلها في هذا الصدد.
للقرابة حقّ يتمثل بالصلة والمودة والمساعدة والتهنئة والتعزية – بحسب القرب والبعد – دون التدخل في الحريات الذوقية والفردية وكأني أنوب عنهم جميعًا في حياتي.
للوالدين حقّ يتمثل بالبر والطاعة مالم يكن منكرًا وحسن المعشر وحفظ الود والمشاورة دون التدخل في الحريات الذوقية والفردية وكأني امتداد كامل لهم في أذواقهم واختياراتهم.
للأصدقاء حقّ يتمثل بالمساعدة والوفاء والذكر الحسن والتعاضد دون أن يمتد هذا لأن يختاروا لي مستقبلي وأن يحددوا شرعية قناعاتي وأن يجرّموا أفعالي ، وعليهم بتقبلي كما أنا لا كما يريدون.
للزوجة حقّ حسن العشرة والمودة والرحمة والحب والتضحية والوفاء والصدق دون ذوبان الشخصية وسلب الحقوق والمواهب بحجة الغيرة والأحقية والملكية .
وعلى هذا فقس، ففي تراثنا الكثير من الأمثلة الصالحة التي تُضرب لتبين لنا الحد الوهمي الفاصل بين الرأي الفردي ورضا الجماعة ، وكيف لنا – وقد اطّلعنا في زماننا هذا على اختلاف الثقافات – أن نضع أقدامنا في المنتصف مابين البهيمية والقطيع .