تقول الحضارة اليونانية القديمة : ” الكون بما فيه متغير بأسباب ولا بد للمتغير من أصل جامد ولا بد للأسباب من مسبب , و طالما أن الكون يتغير فلا بد من أداة لقياس ذلك التغير , إذًا فالزمن ليس أصل إنما هو نتيجة , لا يؤثر إنما هو فقط أثر ” .
منذ متى تعرفني ؟ سألتني بأداة الزمن وأجبتك بإجابة تخلو من الزمن , تخلو من الملامح , تخلو من الأسباب , أجبتك بلا أعرف والحقيقة أني لا أعرف أخلقت قبل أن أعرفك أم عرفتك عند ولادتي أم ارتسمت ابتسامتك في مورثاتي مع لون شعري وعيناي وباقي صفاتي , لم تقنعك إجابتي توقعتِ أني أبالغ , في الحقيقة هم كلهم يخبروني أني أبالغ في بعض الأمور , اعتدت هذا الاختلاف , واعتدت أن أفكر فيك ولا أجدك , واعتدت أن أحلم بك ليلًا ونهارًا نائمًا ويقظانًا , في خلوتي وعند سلوتي لا أجد إلا خيالك , كان من الأجدر بك أن تسأليني كيف أعرفك ؟ لأجيبك بقلبي , ثم تتبعينه بهل تعرفني ؟ فأجيبك أنا أعرف صورتك في خيالي ومنامي ولا أدري أتكفي لي لكي أضرب بالقوانين والسنين والملايين من المحملقين والمتملقين والشامتين والعاذلين والمتسائلين عرض الحائط , وأجازف بأني أعرفك ؟ , لا أعرف .
كانت سنة بالضبط سنة , ها نحن نعود لأدوات الزمن ومقاييس الوجود كي أحصى الغير معدود , كم مرة يجب أن نصطدم بالقوانين الأرضية كي نعبر عن حبنا السماوي , سنة أخبرتك فيها مرارًا أنها بألف , أني عشت فيها من التقلبات مالم أعشه في عمري , تمرغت في الوحل , قارعت الثريا , صرعت الغول , هزمت المغول , وانهزمت من امرأة , وتهشم فيها قلبي , اتسخ فيها منطقي , ارتسمت عليّ محياي ابتسامات لم أعهدها , كل يوم كان فصل من رواية , كنت أعيش الحكاية كل الحكاية بالتفاصيل , أعرف أن لها نهاية , وأيّ نهاية , المرارة هي ما يستحقه هذا الجموح دومًا , الالتصاق بجدار العرف , الاصطدام بسور العادة , الاختزال من اثنين إلى واحد يحتاج إلى طاقة تفوق طاقة الهواتف والمراسلات يا صغيرتي , تفوق قدرتنا على المحادثة , تفوق رسائلنا البريئة – الجريئة – , كانت سنة لم يُخطط لها , حتى النهاية كانت متعلقة بالزمن , وسندفع حتمًا الثمن .
البشر نوعان : نوع ينتظر والآخر يقرر , كلاهما سينتصر مرة ويخسر أخرى , لكن الأول ترك للآخرين تحديد مصيره , والثاني اختار مصيره بنفسه , قلت لك مرة : لو افترقنا باختيارنا بقرارنا لهو أهون لي من أن نُجبر على ذلك بفعل فاعل , لا أحتمل أن أكون حائرًا في قمة اليقين , لا أستطيع أن أدعي السذاجة وفي عقلي اتّقاد , ليس لي قدرة بأن أراك تذهبين و أدعي أن عيني تؤلمني بسبب دمعة خائفة منهم , أأخاف الفضيحة في حبي ؟ , أأخشى المواجهة في أمر قلبي ؟ , لا أحتمل الإجابات المطولة للأسئلة المغلفة بنكهة الشك والتشمتّ والتي لا تكاد تنتهي , أعرف أنك تكرهين هذا الجانب منّي , أعرف أنك لا تحبين جانبي المنطقي الذي يفكر بعقل , أحب جنونك , جنوحك للحظة , لليوم , بدأت ألهث من سرعتك في نسيان الواقع , بدأت أُحبط من قدرتك على استعادة كبريائك المحطم بعد لحظة انحطاط , أنا لا أعرف لي سوى كبرياء واحد إن تحطم لن أصبح إنسان بعده , أنا لا أعرف لي سوى قلب واحد ابتعته أنتِ للعمر كله وانتهى أمره , أنا لا أعرف إلا منطق واحد يخبرني عن الصح والخطأ حتى لو تباعدت بي الخُطا , مثلًا لدربك ! , لا أعرف لي إلا أمانًا واحدًا انهتك مرة فتعاهدت نفسي أن أحفظه ماحييت من أي شيء . أرجوكِ لا تلوميني على عدم اطمئناني ولومي نفسك على اتكالك على مخلوق أحلف لك أنه أضعف منك , خصوصًا عندما يتعلق الأمر بك ! .
الوداع كلمة صعبة ليس لي أن أجزم بحدودها , بدايتها , نهايتها , مدتها , تلك التفاصيل المتعبة دائمًا أجعلها لخالقي الذي يعلم مايحسُن لي ومايسوؤني , إلى اللقاء ؟ حتى هذه أصعب من سابقتها , أي لقاء سيجمعني بك بعد أن حزت منك مالم يخطر علي في أجمل أحلامي فخسرتك ؟ , أي لقاء ذاك الذي يحمل أحزانًا متراكمة , يحمل أرواحًا مثقلة بالعديد من الخيبات , أي لقاء أرى فيه عينيك بلا ذاك البريق , لو كان خياري لما طلبت اللقاء , فقط سأقول بحفظ الله , الوحيد الذي أتأكد بأنه لن يخذلك إن حفظك .