مجدداً : تثبتُ لي الأيام بأني أعرف كيف أصل ، حتى وإنْ لم أقصدْ ، حتى وإنْ لم أنوِ، حتى وإنْ تقطّعت بي السبل، سأصل ! .
هكذا تخبرني أيامي و أنا رجلٌ يخاف من ليونة أيامي ، من جمجمتها الهشة الصغيرة ، كيف سأواجه نفسي ؟ ، ماذا سأقول لو كنتُ على خطأ ؟ كل تلك المدة ؟ ، ربما سينقلونني لمصحة نفسية بقية عمري ، وأصبح حكواتي المصحة ، ويجتمع حولي المجانين ، وأسرد لهم قصصي وبطولاتي الزائفة ، ساعديني يا فتاة ، أرجوك ساعديني ، أصبحت رجلاً يخاف من نفسه أكثر من أي شيء في هذه الدنيا ..
عندما تسأليني : هل تحبني ؟ ….
صمت طويــــل .. تردد قاتل .. نبضات قلبي تتكلم ، صوتي الغائر يخنق أنفاسي ، عيناي تتسع ، ثغري يكاد ينفتح ، تتصلب شرايني ، تتوقف الدورة الدموية قليلاً لتشاهد هذا الحدث الهام ، نشرات الأخبار في جسدي تبدأ بإذاعة الثورات ، بطلب الدعاء والابتهالات ، جيوشي تتأهب للاستعداد لأي طارئ ، لأي توقف في النبض ، لأي دمعة تسقط ، لأي فلتة لسان ، لأي زلة قدم ، كل شيء محسوب كل شيء محسوب ..
وبعد هذا كله أنا لا أتكلم ولم أكن لأتكلم .. طالما لم أضمن ، لم أحوز ، حتى يقولوا لي مبروك الآن فقط الآن وجودك معها يجوز ، وياله من فوز ، صدقيني سأتعبد الله بقربي منك ، سأكون صالحاً بحبي لك ، سأتجنب الكثير من المعاصي بجانبك ، سأعتدل ، سأستقيم ، سأهدي من بعدي إلى الطريق القويم ، وقبل هذا كله سأكون بركاناً خامداً ، زلزالاً يحطم نفسه بنفسه ، قبلة خد حائرة في الرياح ، نسمة فرح تنتظر من تسعدهم ، وأضاعت طريقهم في المدى ، ومازالت تستدلّ بالصدى ..
ماذنبي أن أكون أنا الرجل ؟ ، أنا المسؤول ؟ ، أنا من يتخذ القرارات ؟ ، أنا من يتحمل التبعات ؟ ، أنْ أعيش حياتين ، أتعذب في الواقع وأهرب إلى الخيال ، ليس هذا تهرباً يا صغيرتي ، ليس هذا تملقاً ، ليست هذه أعذار ، فقد احترفت جلد الذات ، احترفت محاسبة أنفاسي ، وخصوصاً وهي تترنم بك ، تمرسّت على معاقبة عيناي بنظرتها البلهاء إليك ، أنا راضي ، والرضا وحده صدقيني لا يساعد ، والله لا يساعد ..
مستعدٌ أن أصف كل أيامي ، وكيف سيكون شكلها وهيئتها بجانبك ، في اليوم الفلاني سنذهب لذلك المكان الذي أحبه ، سأريك كيف كنت أهيم بطيفك وأنتظرك طويلاً ، وكنت أعلم أنك لن تأتين ، بالمناسبة : ألم ترتطمي يوماً يا حبيبتي بحاجز الزمن حينما نعيش في الأبد غفلةً ، أنا ارتطمت كثيراً وتهشمت أضلاعي كثيراً ، وأنا انظر إلى عينيك ، فيهما أبد مخيف ، فيهما سرمد مهيب ، يجتث كل حماقاتي وخوفي ، ويجبرني على الاعتراف بأحقيتك بقلبي ، بفكري ، ابتسم بلا أي مقاومة ، ولكن من يضمن ؟! ..
أنا أخاف على نفسي من نفسي بقربك يا حلوتي ، لهذا أحسب الساعات ، لهذا أقننّ الابتسامات ، لهذا تكثر فيني الصراعات ، لهذا أتجنب نار قربك ، إلى جمر الانتظار ، لعل الله يسخر لي نارك ويجعلها برداً و سلاماً عليّ ، عندها سأعيش الحرية ، سننجب الذرية ، سأعاتبك لأراضيك ، سأغضبك لكي أرى لوحة العبوس في وجهك ، ثم أحضنك لكي تحسي بالأمان ، وسأتركك حائرة ليلة أو ليلتين ، لكي أعود إليك بأقوى شعور ، هذا هو الحب ! ، نعم صدقيني هذا حب الروايات والأفلام ، هو ذلك العذاب ، هو ذلك الشتات ، هي تلك الحيرة ، هي تلك المزاجية التي تغتالنا في غمرة أفراحنا ، أليس هذا ماتريدينه منذ نعومة أظفارك ، أن يحبك رجلٌ بجنون ، أليس هذا حلم كل فتاة ، ذلك الفارس الملثم ؟ ، سأخبرك سرّاً ، من قام ” بمونتاج ” تلك الأفلام إنسان حقير ، يحشر لنا سويعات فرح ، ويحذف الكثير والكثير من لحظات الحيرة ، الضياع ، الألم ، الصبر ، الانتظار ، الاحتضار ، كلهم ماديون يا صغيرتي لا تصدقيهم ..
فقط أنا صدقيني ، صدقيني لأني أعرفك ، أحفظك ، جربت من أطيافك الكثير حتى تسربلت كل أجناسك فيّ ، أتصدقين بخالقك ؟! ، أنا لا أستغرب ولن أستغرب أي ردة فعل منك ، لأني معك فقط أتجنب التوقعات أريدك كاملة ، بالجملة ، بسعر السوق ، بجميع عيوبك ، بنسخك التقليدية كلها ، ولن أتوقع الكثير منك ، ليس لأني أشك أنك ستعطيني الكثير – فقد وهبتني أجمل الأشياء وانتهى الجدال – إنما لدي ثقة ربما تتغلف بالغرور حولك ، أنتي لغزي الذي أحب تكراره ، أنتي الأحجية التي لطالما أعدتها كثيراً ، أنتي إدمان الكلمات المتقاطعة بالنسبة لي ، أنتي شغف القراءة بنظري ، أنتي نبرة النشوة التي ترتسم على من حقق أحلامه ..
أنــا ؟ قرأت كل الكتب ، وتعلمت كل الحيل ، و قمت بجميع ” البروفات ” ، حتى عرفت من أين تؤكل الكتف ، أي الطريق هو الأسرع للوصول لقلبك ، أي الكلمات التي تفضلينها ، متى تريدين مني أن أسامحك ، أغضب عليك ، أراجعك ، أفهمك ، أحضنك ، أسمعك ، حتى عرفت بأي هيئة تريديني أن أتركك ، وأهجرك إن رميتني للكلاب ، أعرف أي وضعية سأقفز لهموم الحياة من بعدك ..
لاتخافي مني مطلقاً فأنا رجل أرهقه تفكيره ، حتى فكّر بجميع الاحتمالات ، أنا من يجب عليه الخوف من نفسه ، أعلنها لك يا حبيبتي أنا أخاف من نفسي أكثر من أي شخص ، لو نتصالح ، لو نلتزم بمسار واحد فقط ، ستتعجبين ويتعجب العالم بهذا الفذّ ، ولكن لربما كان ذلك النزاع رحمة ..
وتتمخطر الأيام من حولي ، بطيئة بكل مافيها من سرعة ، رتيبة بكل مافيها من أحداث ، قاتلة بكل ماوهب الله فيها من رحمته ..
وأعتذر لك يا حبيبتي لو طال صمتي وعجزت عن إجابة سؤالك البسيط ، السخيف ، السطحي جداً بالنسبة لك ، وعن مدى حبي لك ، إنما تلك الحقيقة أنا رجل معقد قد تنتهي به الحياة فوق النجوم فوق السحاب ، ولربما أشاطر المجانين مصحتهم .. إن عشتِ لتلك اللحظة ، حاولي أن تنتقي لي مصحة أنيقة فيها مجانين ظرفاء ، أحسني عليّ ولو مرّة ، وإن لم أكن بعقلي ..
ولا تفكري في غيري مطلقاً ، أحذرك من هذا ، إمّا أنا أو أنا ، لا و لا ثالث لنا !