لم آلف وحشةً كهذه كي أعتاد حديثًا كهذا ، لم أعد قادرًا على مجاراة سيّال الأشواق يقدم من غيومك التي تهطل مرة وتمسك ألفَ مرة ، لم أكترث لشأن أحدهم بهذا القدر كي أحترف التصنع والتزلّف والتزلّق في حديثي معه ، كل الذي أعرفه أني أكبح أشواقي عنك فتنسل من بين أضلاعي طائرةً خاضعة مسلّمة لسلطان عينك ، كل الذي أملكه جوارح أقصرُها عنك وعينًا تغضّ البصر عن فتنتك ، وإن ملكتُ ما ملكتَ فلن أملك قلبًا حام حول الحمى وقع فيه ولم يبالِ بعواقب النظرة ومايعقبها من حسرة و هواجس لا تُعدّ مما أصابها من بركات الكثرة .
أتُرانا نُمسك الأقدام فتخالفنا خطى القلب وتعصينا لترضي رغباتها ، أتُرانا نَنْهى الخاطرة فتعقبها الفكرة والخيال فالإبحار في الخيال من تفاصيل اللقاء إلى معجزة الخلود والبقاء ونرتب أشياءنا بعضها فوق بعض ، حاجتي وحاجتك ، غايتي وما توافق معها من غايتك ، وأظنّ أن ما أصابني سيجعل غايتي هي غايتك ورضاي في سلوتك وطمأنينتي في قربك والأنس بك .
تخففي من الأسئلة ودعي الإجابات لي أنا أرتبها من عمري، مما جمعتُ من الأيام ، من طول صبري ، من صدقي مع نفسي . إن سألوكِ يا حبيبتي قولي يجيب هو عني وهو كل ما أقصد وأعني وأنا عصفورته التي تحوم فوق رأسه في النهار أسليه بشدوي وفي الليل أسليه بشغل فكره بي ، ولا تستعجلي إجابةَ سؤالٍ قبل أن آذن لك فالفراغات لا تُلاحظ حتى تُملأ ، دعي مكاني فارغًا حتى أملؤه بالإجابة الصحيحة .
أما عن سؤالهم عن حالك فأجيبي : كحال من أحب . عذبنا الليل أرقّ أجسادنا ، و زاد من اتقاد عقولنا أرانا منّا خفة روح ووطأة شوق ، أوغل في أعمارنا فاستخرج الشيب منّا شبابًا وسبر أغوار الحكمة فينا فتيانًا .
وإذا ما سألوكِ عن مآلك فبادري : ماقضى ربي علينا خير لنا ، وقسمة الله فيما أعطى عادلة ، أرى عدل الحياة معه فلم أرى ولن أرى غيره ، وأرى عدل الحياة بدونه فأعرف كيف يكون الحزن أسلوب حياة وطريقة قرب من الله . فإن كتب ربنا لنا قربًا بعد غُلب كان هذا أدعى لأن يدوم ، وإن كتب ربنا لنا بعدًا بعد توق فقد علمنا أن هذه الحياة لم تقوَ على أُنس الأنبياء ولا إسعاد الأتقياء فكيف بنا نحن الأشقياء ؟ فلا على حياة نبتئس وفي دار الجزاء لنا عقبى .
وعن الحب إن غمزوك فتمنعي ثم أجيبي : أحبه ولا سلطان لي في هذا ، أحبه وللقلب اختياره ، أحبه والكون هذا فُطر على الحب والمحبة ، أحبه ولا أتقي حبّه ومن يضمن لي إن اتقيته ألا أصطدم به في أول مفرق طريق فتفضحني شهقتي ويروع أهلي منظري ، أحبه والحروف لا تكفي لوصف العذاب بقربه وفي البعد عنه ، أحبه وغيرتي عليه نار وسؤاله عنّي جنّة و صدوده عني احتضار ، أحبه ولا يحاسبنا الله عمّا في قلوبنا فلا تطيلوا الأسئلة .
وعن أوصافي إن سألوك لا تجيبي فهم ما سألوا إلا ليروا عثرة وكلي عثرات ، وأول من يعرف عثراتي أنتِ ، وأكثر من يحصي زلاّتي أنتِ ، وأعلم الناس بضعفي ياضعفي أنتِ ، لكن حبك لي يغفر لي وحبي لك يسمو بك فوق ظنوني وفوق كوامن حسرتي وفوق شكّي وغيرتي .
وإن سألوا عن اسمي فاغمضي عينيك حتى لا يقرؤوا اسمي ، وقولي حروف اسمه كثيرة وأخشى أن أتعب في سردها وكنت أتخفف فيها فأناديه بثلثها وبأحب الحروف لمسامعه وأتغنج بنطقها فأرى بحة صوته قد زادت فأعلم أن جزءًا آخر فيه قد ذاب وأنه من نفحة الهوى قد اكتوى ثم طاب وغاب عن هذا الكون غاب ! .
بعد هذا تعذري وتململي وتبرمي فما بعد هذه الأسئلة إلا مافضل وزاد ، وماللفضول كنتِ تجيبين بل للثقة والثقة وحدها من ستوصلني إليك فأسألكِ أنا : أتحبينني ؟ فلا تجيبين فأبلع ريقًا وأصب عرقًا وأكتم شهقة فتضحكين وتستحين وأصبح أخف مخلوقات الله وأتحرر من الجاذبية والأعراف الغبية وأرى في عينك تلك اللمعة التي تسبق الدمعة وأحضنك والناس نيام وأجمع كل حنان الأرض فأوسدك صدري وأتوسد الحصير من تحتك .
أنمتِ ؟